{ و } أيضا أمرناك فيما أنزلنا إليك بالحق { أن احكم بينهم } مطابقا، موافقا { بمآ أنزل الله } إليك في كتابه بلا ميل وانحراف عنه { ولا تتبع أهوآءهم } المضلة { واحذرهم } عن { أن يفتنوك } ويلبسوا عليك { عن بعض مآ أنزل الله إليك } بمواساتك، وإظهار محبتك ومودتك قاصدين انحرافك، وميلك إلى ما تهوى نفوسهم { فإن تولوا } أعرضوا عنك وعن حكمك.
{ فاعلم } أيها الداعي للخلق إلى الحق { أنما يريد الله } وتتعلق مشيئته به { أن يصيبهم } ويأخذهم { ببعض ذنوبهم } وهو التولي والإعراض عنك وعن حكمك؛ لأنهم قد خرجوا بالإعراض عنك عن حكمك، عن جميع حدود الله وأحكامه { و } لا تتعجب خروجهم { إن كثيرا من الناس } الناسين للعهود الأصلية { لفاسقون } [المائدة: 49] خارجون عن مقتضى الأحكام الإلهية وحكمه بمتابعة الأهواء الباطلة.
{ أ } يعرضون، وينصرفون عن حكمك { فحكم الجاهلية } الناشئة من الآراء الفاسدة، الزائفة، الحاصلة عن تمويهات عقولهم، القاصرة، كأحكام متفقهة هذا العصر { يبغون } يطلبون منك، ويعتقدون أن الحسن والحق ما هم عليه من تلقاء أنفسهم { ومن أحسن من الله } المتفرد بذاته { حكما لقوم يوقنون } [المائدة: 50] بتوحيده وتفريده.
[5.51-53]
{ يأيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم أن { لا تتخذوا اليهود والنصارى أوليآء } توالونهم، وتصاحبونهم، مثل موالاة المؤمنين، ولا تعتمدوا، ولا تثقوا بودادتهم ومودتهم إذ هم { بعضهم أوليآء بعض } متظاهرون متعاونون، ينتهزون الفرضة لمقتدكم { ومن يتولهم } ويعتمد عليهم { منكم فإنه منهم } من جملتهم، وعدادهم عند الله { إن الله } المطلع لضمائر عباده { لا يهدي القوم الظالمين } [المائدة: 51] المجاوزين عن مقتضى أوامر الله، المرتكبين لمناهيه، فكيف لا يكون المتولون معهم من زمرتهم؟!.
{ فترى } أيها الرائي { الذين في قلوبهم مرض } كفر ونفاق { يسارعون } ويبادرون { فيهم } في مودتهم ومؤاخاتهم { يقولون } معتذرين لكم؛ نفاقا: { نخشى أن تصيبنا دآئرة } من دوائر الزمان، كان الأمر فيها لهم، والدولة تتوجه نحوههم، فنداريهم ونواليهم؛ خوفا منها { فعسى الله أن يأتي بالفتح } والظفر لرسوله؛ ليظهر دينه على الأديان كلها { أو أمر } عظيم، نازل { من عنده } يكفي مؤنة كفرهم ونفاقهم { فيصبحوا على مآ أسروا في أنفسهم } من بغض رسول الله، والإنكار لرسالته، وتكذيب كتابه { نادمين } [المائدة: 52] خائبين، خاسرين.
{ و } حينئذ { يقول الذين آمنوا } وأخلصوا في إيمانهم بعضهم لبعض، مستهزئين لهؤلاء المنافقين: { أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم } أي: أغلظها وأوكدها { إنهم لمعكم } مؤمنين بنبيكم؛ مظاهرة لكم في إعلاء كلمة الحق وانتشارها { حبطت } واضمحلت { أعمالهم } إلى حيث لا تفيدهم أصلا { فأصبحوا خاسرين } [المائدة: 53] خسرانا عظيما في الدنيا والآخرة.
[5.54-56]
{ يأيها الذين آمنوا } لا تحزنوا بصنيع { من يرتد منكم عن دينه } بعد إيمانه وقبوله الإسلام، ولا تبالوا بشأنه { فسوف يأتي الله } من فضله ولطفه { بقوم يحبهم } الله ويفوقهم على الإيمان، ويوصلهم إلى مرتبة اليقين والعرفان { ويحبونه } إلى حيث بذلوا مهجهم في سبيله طوعا ورضا؛ إعلاء لكلمة توحيده، ونصر دين نبيه { أذلة على المؤمنين } تواضعا وإخاء { أعزة على الكافرين } غلبة واستيلاء { يجاهدون في سبيل الله } وطريق توحيده، باذلين نفوسهم فيه، طالبين رضاه { ولا يخافون لومة } ملامة { لائم } مليم كهؤلاء المنافقين الذين يخافون من العلامة؛ حفظا لجاههم ورئاستهم، وحمية لما أسروا في نفوسهم من الأهوية الباطلة.
{ ذلك } الأوصاف الحميدة { فضل الله } الهادي لعباده إلى فضاء توحيده { يؤتيه من يشآء } من أهل العناية { والله } المتفضل، المحسن لأرباب الولاء { واسع } في فضله وطوله { عليم } [المائدة: 54] على من يستحق الإفضال والإنعام .
Página desconocida