Tafsir
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Investigador
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Editorial
دار طيبة للنشر والتوزيع
Número de edición
الرابعة
Año de publicación
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
الْحَبَائِلَ وَالشُّخُوصَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَيُخْرِجُونَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ زَمَانًا وَلَمْ تَنْزِلْ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةٌ فَتَجَرَّءُوا عَلَى الذَّنْبِ وَقَالُوا: ما نري السبب إِلَّا وَقَدْ أُحِلُّ لَنَا فَأَخَذُوا وَأَكَلُوا وَمَلَّحُوا وَبَاعُوا وَاشْتَرَوْا وَكَثُرَ مَالُهُمْ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ صَارَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ، وَكَانُوا نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا، ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ أَمْسَكَ وَنَهَى، وَصِنْفٌ أَمْسَكَ وَلَمْ يَنْهَ، وَصِنْفٌ انْتَهَكَ الْحُرْمَةَ، وَكَانَ النَّاهُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَلَمَّا أَبَى الْمُجْرِمُونَ قَبُولَ نُصْحِهِمْ قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُسَاكِنُكُمْ فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَسَّمُوا الْقَرْيَةَ بِجِدَارٍ وَعَبَرُوا بِذَلِكَ سَنَتَيْنِ، فَلَعَنَهُمْ دَاوُدُ ﵇، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَخَرَجَ النَّاهُونَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ بَابِهِمْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمُجْرِمِينَ أَحَدٌ وَلَمْ يَفْتَحُوا بابهم، فلما أبطؤوا تَسَوَّرُوا عَلَيْهِمُ الْحَائِطَ فَإِذَا هُمْ جَمِيعًا قِرَدَةً لَهَا أَذْنَابٌ يَتَعَاوَوْنَ، قَالَ قَتَادَةُ: صَارَ الشُّبَّانُ قِرَدَةً وَالشُّيُوخُ خَنَازِيرَ فَمَكَثُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ هَلَكُوا وَلَمْ يَمْكُثْ مَسْخٌ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَتَوَالَدُوا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً﴾ أَمْرُ تَحْوِيلٍ وَتَكْوِينٍ ﴿خَاسِئِينَ﴾ مُبْعَدِينَ مَطْرُودِينَ، وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيْ كُونُوا خَاسِئِينَ قِرَدَةً وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ خَاسِئَاتٍ، وَالْخَسْأُ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، وَهُوَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ يُقَالُ: خَسَأْتُهُ خَسْأً فَخَسَأَ خُسُوءًا مِثْلَ: رَجَعْتُهُ رَجْعًا فَرَجَعَ رُجُوعًا
﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ أَيْ جَعْلِنَا عُقُوبَتَهُمْ بِالْمَسْخِ ﴿نَكَالًا﴾ أَيْ عُقُوبَةً وَعِبْرَةً، وَالنَّكَالُ اسْمٌ لِكُلِّ عُقُوبَةٍ يُنَكَّلُ النَّاظِرُ مِنْ فِعْلِ مَا جُعِلَتِ الْعُقُوبَةُ جَزَاءً عَلَيْهِ، وَمِنْهُ النُّكُولُ عَنِ الْيَمِينِ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ، وَأَصْلُهُ مِنَ النِّكْلِ وَهُوَ الْقَيْدُ وَيَكُونُ جَمْعُهُ: أَنْكَالًا ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا يَعْنِي مَا سَبَقَتْ مِنَ الذُّنُوبِ، أَيْ جَعَلْنَا تِلْكَ الْعُقُوبَةَ جَزَاءً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ قَبْلَ نَهْيِهِمْ عَنْ أَخْذِ الصَّيْدِ ﴿وَمَا خَلْفَهَا﴾ مَا حَضَرَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي أُخِذُوا بِهَا، وَهِيَ الْعِصْيَانُ بِأَخْذِ الْحِيتَانِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ: عُقُوبَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَعِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِمْ، وَ(مَا) الثَّانِيَةُ بِمَعْنَى مَنْ، وَقِيلَ: ﴿جَعَلْنَاهَا﴾ أَيْ جَعَلْنَا قَرْيَةَ أَصْحَابِ السَّبْتِ عِبْرَةً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا أَيِ الْقُرَى الَّتِي كَانَتْ مَبْنِيَّةً فِي الْحَالِ ﴿وَمَا خَلْفَهَا﴾ وَمَا يَحْدُثُ مِنَ الْقُرَى مِنْ بُعْدٍ لِيَتَّعِظُوا، وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: فَجَعَلْنَاهَا وَمَا خَلْفَهَا، أَيْ مَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ، وَجَزَاءً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ بِاعْتِدَائِهِمْ فِي السَّبْتِ ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَلَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ الْبَقَرَةُ هِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْبَقَرِ يُقَالُ: هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْبَقْرِ وَهُوَ الشَّقُّ، سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا تَشُقُّ الْأَرْضَ لِلْحِرَاثَةِ.
وَالْقِصَّةُ (١) فِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ غَنِيٌّ وَلَهُ ابْنُ عَمٍّ فَقِيرٌ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ
(١) القصة من الإسرائيليات، كما يظهر، ولا يقبل في تفسير كتاب الله إلا ما جاء برواية ثابتة. وقال ابن كثير ﵀ بعد أن قص قصة البقرة: وهذه السياقات عن عبيدة وأبي العالية والسدي وغيرهم فيها اختلاف والظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل، وهي مما يجوز نقلها، ولكن لا تصدق ولا تكذب. فلهذا لا يعتمد عليها إلا ما وافق الحق عندنا، والله أعلم". تفسير ابن كثير ١ / ١٩٧ وانظر: الإسرائيليات في التفسير والحديث للدكتور محمد حسين الذهبي.
1 / 105