Tafsir
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Investigador
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Editorial
دار طيبة للنشر والتوزيع
Número de edición
الرابعة
Año de publicación
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
حِينَ أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَشِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْبَرْدِ وَضِيقِ الْعَيْشِ وَأَنْوَاعِ الْأَذَى كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ" (١٠-الْأَحْزَابِ) وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي حَرْبِ أُحُدٍ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ الْمَدِينَةَ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الضُّرُّ، لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بِلَا مَالٍ وَتَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ وَآثَرُوا رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَظْهَرَتِ الْيَهُودُ الْعَدَاوَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَسَرَّ قَوْمٌ النِّفَاقَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ أَيْ: أَحَسِبْتُمْ، وَالْمِيمُ صِلَةٌ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: بَلْ حَسِبْتُمْ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَظَنَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ﴿وَلَمَّا يَأْتِكُمْ﴾ وَمَا صِلَةٌ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا﴾ شَبَّهَ الَّذِينَ مَضَوْا ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ ﴿مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ﴾ الْفَقْرُ وَالشِّدَّةُ وَالْبَلَاءُ ﴿وَالضَّرَّاءُ﴾ الْمَرَضُ وَالزَّمَانَةُ ﴿وَزُلْزِلُوا﴾ أَيْ حُرِّكُوا بِأَنْوَاعِ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَخُوِّفُوا ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ مَا زَالَ الْبَلَاءُ بهم حتى استبطؤوا النَّصْرَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ قَرَأَ نَافِعٌ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ بِالرَّفْعِ مَعْنَاهُ حَتَّى قَالَ الرَّسُولُ، وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي يَلِي حَتَّى فِي مَعْنَى الْمَاضِيَ وَلَفْظُهُ (لَفْظُ) (١) الْمُسْتَقْبَلِ فَلَكَ فِيهِ الْوَجْهَانِ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، فَالنَّصْبُ عَلَى ظَاهِرِ الْكَلَامِ، لِأَنَّ حَتَّى تَنْصِبُ الْفِعْلَ الْمُسْتَقْبَلَ، وَالرَّفْعُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمَاضِي، وَحَتَّى لَا تَعْمَلُ فِي الْمَاضِي.
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥)﴾
(١) زيادة من "ب".
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ نَزَلَتْ فِي عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ذَا مَالٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَاذَا نَتَصَدَّقُ وَعَلَى مَنْ نُنْفِقُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ وَفِي قَوْلِهِ ﴿مَاذَا﴾ وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ نَصْبًا بِقَوْلِهِ ﴿يُنْفِقُونَ﴾ تَقْدِيرُهُ أَيَّ شَيْءٍ يُنْفِقُونَ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا بِمَا، وَمَعْنَاهُ مَا الَّذِي يُنْفِقُونَ ﴿قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾ أَيْ مِنْ مَالٍ ﴿فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ يُجَازِيكُمْ بِهِ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ هَذَا قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ فَنُسِخَتْ بِالزَّكَاةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ أَيْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْجِهَادُ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ
1 / 245