Tafsir
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Investigador
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Editorial
دار طيبة للنشر والتوزيع
Número de edición
الرابعة
Año de publicación
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
بَعْدَ يُبُوسَتِهَا وَجُدُوبَتِهَا ﴿وَبَثَّ فِيهَا﴾ أَيْ فَرَّقَ فِيهَا ﴿مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾
قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ الرِّيحِ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ وَكُلُّ رِيحٍ فِي الْقُرْآنِ لَيْسَ فِيهَا أَلِفٌ وَلَا لَامٌ اخْتَلَفُوا فِي جَمْعِهَا وَتَوْحِيدِهَا إِلَّا فِي الذَّارِيَاتِ "الرِّيحَ الْعَقِيمَ" (٤١-الذَّارِيَاتِ) اتَّفَقُوا عَلَى تَوْحِيدِهَا وَفِي الْحَرْفِ الْأَوَّلِ مِنْ سُورَةِ الرُّومِ "الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ" (٤٦-الرُّومِ) اتَّفَقُوا عَلَى جَمْعِهَا، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ سَائِرَهَا عَلَى الْجَمْعِ، وَالْقُرَّاءُ مُخْتَلِفُونَ فِيهَا، وَالرِّيحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَتَصْرِيفُهَا أَنَّهَا تَتَصَرَّفُ إِلَى الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ وَالْقَبُولِ وَالدَّبُّورِ وَالنَّكْبَاءِ (١) .
وَقِيلَ: تَصْرِيفُهَا أَنَّهَا تَارَةً تَكُونُ لَيِّنًا وَتَارَةً تَكُونُ عَاصِفًا وَتَارَةً تَكُونُ حَارَّةً وَتَارَةً تَكُونُ بَارِدَةً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعْظَمُ جُنُودِ اللَّهِ الرِّيحُ وَالْمَاءُ وَسُمِّيَتِ الرِّيحُ رِيحًا لِأَنَّهَا تُرِيحُ النُّفُوسَ قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي: مَا هَبَّتْ رِيحٌ إِلَّا لِشِفَاءِ سَقِيمٍ أَوْ لِسَقَمِ صَحِيحٍ وَالْبِشَارَةُ فِي ثَلَاثٍ مِنَ الرِّيَاحِ فِي الصَّبَا وَالشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ أَمَّا الدَّبُّورُ فَهِي الرِّيحُ الْعَقِيمُ لَا بِشَارَةَ فِيهَا وَقِيلَ الرِّيَاحُ ثَمَانِيَةٌ: أَرْبَعَةٌ لِلرَّحْمَةِ وَأَرْبَعَةٌ لِلْعَذَابِ. فَأَمَّا الَّتِي لِلرَّحْمَةِ الْمُبَشِّرَاتُ وَالنَّاشِرَاتُ وَالذَّارِيَاتُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَأَمَّا الَّتِي لِلْعَذَابِ فَالْعَقِيمُ وَالصَّرْصَرُ فِي الْبَرِّ وَالْعَاصِفُ وَالْقَاصِفُ فِي الْبَحْرِ ﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ﴾ أَيِ الْغَيْمِ الْمُذَلَّلِ سُمِّيَ سَحَابًا لِأَنَّهُ يَنْسَحِبُ أَيْ يَسِيرُ فِي سُرْعَةٍ كَأَنَّهُ يَسْحَبُ أَيْ يَجُرُّ ﴿بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ خَالِقًا وَصَانِعًا قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: ثَلَاثَةٌ لَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ تَجِيءُ الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ وَالسَّحَابُ.
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (١٦٥)﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا﴾ أَيْ أَصْنَامًا يَعْبُدُونَهَا ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ أَيْ يُحِبُّونَ آلِهَتَهُمْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُحِبُّونَ الْأَصْنَامَ كَمَا يُحِبُّونَ اللَّهَ لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوهَا مَعَ اللَّهِ فَسَوَّوْا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَوْثَانِهِمْ فِي الْمَحَبَّةِ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ أَيْ أَثْبَتُ وَأَدُومُ عَلَى حُبِّهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَارُونَ عَلَى اللَّهِ مَا سِوَاهُ وَالْمُشْرِكُونَ إِذَا اتَّخَذُوا صَنَمًا ثُمَّ رَأَوْا أَحْسَنَ مِنْهُ طَرَحُوا الْأَوَّلَ وَاخْتَارُوا الثَّانِيَ قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْكَافِرَ يُعْرِضُ عَنْ مَعْبُودِهِ فِي وَقْتِ الْبَلَاءِ وَيُقْبِلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ ﷿ عَنْهُمْ فَقَالَ: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ (٦٥-الْعَنْكَبُوتِ) وَالْمُؤْمِنُ لَا يُعْرِضُ عَنِ اللَّهِ فِي السَّرَّاءِ
(١) انظر: تفسير الطبري: ٣ / ٢٧٥-٢٧٦، الدر المنثور: ١ / ٣٩٦-٣٩٧.
1 / 178