الحي، أي الفرج، والبلاء أصله من قولهم: بلى الثوب بلى، وبلاءً، وقيل " بلوت فلان " أي أخبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له، ولهذا قيل: " لبست فلانًا "، أي: خبرته، وسمي الغم بلاء من حيث أنه يبلى الجسم، وسمي التكليف بلاء من أوجه، الأول: أن التكاليف كلها مشاق على الأبدان، فصارت من هذا الوجة بلاء، والثاني: أن التكاليف اختبارات، وكذلك قال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾، قال ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾، ونحو ذلك، والثالث: أنه لما كان اختبار الله تعالى لعباد تارة بالمسار ليشكروا، وتارة بالمضار ليصبروا، صارت المنحة والمحنة جيمعًا بلاء، فالمحنة: مقتضية للصبر والمنحة: مقتضية للشكر، وكأن القيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر لما بيناه في كتاب: (شرف التصوف)، فصارت المنحة أعظم البلاء، وبهذا النظر قال أمير المؤمنين علي ﵁ وكره الله وجهه: " من وسع عليه في دنياه، ولم يعلم أنه مكر به، فهو مخذوغٌ عن عقله " والرابع: أنه رب منحة تعقب محنة، ومحنة تقضي إلى منحة، ولهذا قيل: " رب مغبوظ بنعمة هي داؤه، ومرحوم لشدة هي شفاؤه "، فإذا: من النعمة ما هو نقمة " ولكون البلاء متناولًا للأمرين، قال تعالى، ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ﴾، وقال: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾، وقالوا " في الخير والشر معًا: بلاه " فإّذا أفردا قالوا [في الخير: ابلاؤه، وفي الشر بلاه] وقال تعالى: ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا﴾، وأما قول الشاعر:
جزى الله بالإحسان ما فعلابكم ...
وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو