291

Tafsir

تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني

Géneros

Exégesis

[31]

قوله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ؛ لما نزلت الآيات المتقدمة قالت اليهود : نحن أبناء الله واحباؤه ، وإنما يقول الله مثل هذه الآيات في أعدائه ، وأرادوا بقوله أحباؤه : نحبه ويحبنا ؛ فأنزل الله هذه الآية.

والمحبة : في الحقيقة هي الإرادة ، وهو أن تريد نفع غيرك فيبلغ مراده في نفعك إياه ، وأما العشق : وهو إفراط المحبة في هذا المعنى. وأما محبة الطعام والملاذ ؛ فهو شهوة وتوقان النفس. وأما محبة العباد لله تعالى ، فالله يستحيل عليه المنافع ، فلا يصح أن يراد بمحبه هذه الطريقة لكي يراد بها إعظامه وإجلاله وطاعته ومحبة رسله وأوليائه ، ومحبة الله إياهم إثابته إياهم على طاعتهم ؛ وإنعامه عليهم ؛ وثناؤه عليهم ؛ ومغفرته لهم.

ومعنى الآية : إن كنتم تحبون طاعة الله والرضا بشرائعه فاتبعوني على ديني يزدكم الله حبا ، { ويغفر لكم ذنوبكم } ؛ في اليهودية ؛ { والله غفور رحيم }.

وروى الضحاك عن ابن عباس وقال : " وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش وهم في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم ، وعلقوا عليها بيض النعام ، وجعلوا في آذانها الشنوف وهم يسجدون لها ، فقال صلى الله عليه وسلم : " يا معشر قريش ؛ والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم " وقالت قريش : إنما نعبد هذه حبا لله ليقربونا إلى الله زلفى ؛ فأنزل الله هذه الآية " أي قل لهم يا محمد صلى الله عليه وسلم إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله ، فأنا رسول الله إليكم ، وحجته عليكم ، وأنا أولى بالتعظيم من أصنامكم. فلما نزلت هذه الآية عرضها عليهم فلم يقبلوا.

وقيل : لما نزلت هذه الآية عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهودي ، فقال عبدالله بن أبي سلول : إن محمدا صلى الله عليه وسلم يجعل طاعته كطاعة الله ، ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى عليه السلام ؛ فأنزل الله تعالى قوله عز وجل : { قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين } ؛ أي فإن لم يفعلوا ما تدعوهم إليه من إتباعك وطاعة أمرك فإن الله تعالى لا يحب الكافرين ؛ أي لا يغفر لهم ولا يثني عليهم.

فلما نزلت هذه الآية قالت اليهود : نحن أبناء إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام ونحن على دينهم ، فأنزل الله قوله تعالى : { إن الله اصطفى ءادم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } ؛ معناه : أن الله اصطفاهم بالإسلام ، وإن آدم كما لم ينفع أولاده المشركين كذلك سائر الأنبياء عليهم السلام لا ينفعونهم. وصفوة الله : هم الذين لا دنس فيهم بوجه من الوجوه ؛ لا في اعتقاد ولا في الفعل ، والاصطفاء : هو الاختيار ، والصفوة : هو الخالص من كل شيء ، فمعناه : { اصطفى ءادم } أي اختاره واستخلصه.

واختلفوا في آل عمران في هذه الآية ؛ قيل : أراد بهم موسى وهارون عليهما السلام ، وقيل : أراد مريم عليها السلام.

Página 291