من المهارات التي يتفق الباحثون والمعلمون على ضرورة أن يتحلى بها المفكر النقدي ويمارسها: القدرة على النظر إلى المشكلة من زوايا مختلفة؛ ولذا يتخذ هذا الفصل نهجا تاريخيا تأصيليا من خلال مناقشة مصدر نشأة فكرة التفكير النقدي، وكيفية نشأتها وتطورها منذ ذلك الحين.
والأمر كله يبدأ بالفلسفة. (1) الفلسفة
ثمة ثورة فكرية قد حدثت خلال الفترة ما بين القرن السادس قبل الميلاد وحتى القرن الرابع قبل الميلاد، وحددت العديد من جوانب الحياة التي نراها من المسلمات في الوقت الحاضر. في تلك الفترة على سبيل المثال، وضع كونفوشيوس نظريات عن السلوك البشري السليم والتنظيم الاجتماعي، وهي ما نسميه اليوم بالفلسفة الأخلاقية والسياسية. في الحقبة نفسها، استكشف ممارسو تقليد الفايشيشيكا الهندي أسئلة ميتافيزيقية تتعلق بطبيعة الحقيقة.
في الغرب، وقعت ثورة فكرية مماثلة في اليونان القديمة، وهي أرض سادت فيها الدول ذات المدينة الواحدة الصغيرة مثل أثينا، حيث ولدت الفلسفة الغربية.
توجد ثلاث شخصيات أساسية في قصة نشأة الفلسفة اليونانية. أولى هذه الشخصيات هي سقراط الذي شكك في المعتقدات الثابتة، وسعى جاهدا لعيش «حياة قائمة على التجارب»، وهي الأنشطة التي أكسبته لقب أبي الفلسفة الغربية، إضافة إلى الحكم عليه بالإعدام من رفاقه الأثينيين المنزعجين منه. لم يترك سقراط أعمالا مكتوبة، لكن آخرين قد دونوا أفكاره، لا سيما تلميذه أفلاطون الذي يقدم في كتاب «المحاورات»، أفكار معلمه متداخلة مع أفكاره الخاصة. أسس أفلاطون ما يعد أول مدرسة للفلسفة في الغرب، وهي «الأكاديمية»، حيث درس الفلاسفة مثل الفيلسوف النابغ أرسطو.
إن قدرا كبيرا من الفكر الغربي يستند إلى أفكار هؤلاء المفكرين القدامى، ويتلخص ذلك في مقولة لفيلسوف شهير ورياضي عاش في القرن العشرين، هو ألفريد نورث وايتهيد، الذي وصف تراث الفلسفة الغربية بأكمله على أنه «سلسلة من الحواشي لأفكار أفلاطون.»
2
بالرغم من ذلك، فلكي نفهم أصول التفكير النقدي؛ علينا الاطلاع على الأعمال الرئيسية التي كتبها أرسطو، تلميذ أفلاطون.
بالرغم من ذلك، فلكي نفهم أصول التفكير النقدي؛ علينا الاطلاع على الأعمال الرئيسية التي كتبها أرسطو، تلميذ أفلاطون.
ولفهم فلسفة أرسطو والفلسفة الكلاسيكية بوجه عام؛ يجب مراعاة أن التفريق الحالي بين الفلسفة والعلوم لم يكن موجودا في العصور القديمة. فأعمال الفلاسفة اليونانيين القدامى (يطلق عليهم فلاسفة ما قبل سقراط) على سبيل المثال، قد ركزت على طبيعة العالم المادي. ومع أن أفكارهم، مثل أن الكون يتألف من الماء أو النار أو المغناطيس، تعد في حد ذاتها كائنات حية، تبدو ساذجة اليوم؛ فقد كان هؤلاء المفكرون بمثابة فيزيائيين مبكرين، يصوغون التفسيرات الفيزيائية للظواهر الطبيعية، بدلا من التفسيرات السحرية أو الدينية.
Página desconocida