6
فإن الفروق بين العلم والفلسفة لم تكن موجودة على الإطلاق في تلك الفترة. فعلى مدار جزء كبير من التاريخ الحديث، ظل المشتغلون في المجالات العلمية يوصفون بأنهم من «فلاسفة الطبيعة» لا من «العلماء».
من بين هؤلاء رينيه ديكارت، وهو فيلسوف وعالم رياضيات قدم إسهامات كبيرة في الجبر والهندسة، وكلاهما من أساسيات الرياضيات والعلوم في العصر الحاضر، كما أنه أسس علم الفلسفة الحديثة من خلال تجاربه العقلية القائمة على «الشك الجذري». بدأت تلك التساؤلات بالتشكيك في حقيقة كل شيء، بما في ذلك إدراكه الحسي؛ وذلك لتحديد ما يمكن أن يتبقى ويطلق عليه حقيقة لا شك فيها. استندت إجابته بأنه كائن مفكر (التي أدت إلى مبدأ «الكوجيتو» الشهير: «أنا أفكر، إذن أنا موجود»)، إلى حجة أنه لكي ينخرط في التفكير أصلا، فلا بد من أنه موجود بصفته كائنا مفكرا. امتدت أفكار ديكارت إلى مجال العلوم في أعمال مثل «مقال عن الطريقة الصحيحة في توجيه العقل والبحث عن الحقيقة في العلوم»، الذي حاول فيه أن يؤسس العلم على نوع اليقين المرتبط بالبراهين الرياضية.
على مدار جزء كبير من التاريخ الحديث، ظل المشتغلون في المجالات العلمية يوصفون بأنهم من «فلاسفة الطبيعة» لا من «العلماء».
ثمة فلاسفة آخرون مثل فرانسيس بيكون وديفيد هيوم، قد اتخذوا نهجا آخر يركز على الأدلة التجريبية أكثر من الاستنتاج المجرد، ويعتبرها مصدر المعرفة الحقيقية. ردد السجال بين المثاليين مثل ديكارت والتجريبيين مثل هيوم، أصداء الجدالات القديمة بين أتباع أفلاطون الذين رأوا أن العقل هو مصدر الحقيقة، واتخذوا من الرياضيات مثالا أعلى، وأتباع أرسطو الذين اتخذوا مجال علم الأحياء القائم على البراهين نموذجا لهم.
لا يتسع المقام في هذا الكتاب لتوضيح كيف أن الفلاسفة المتأخرين مثل إيمانويل كانط ساعدوا في رأب الصدع بين الفريقين (انظر «المصادر الإضافية» للمزيد من المعلومات عن تاريخ العلوم وكذلك عصر النهضة وعصر التنوير)، لكن الأمثلة المذكورة بالفعل توضح كيف أن المفاهيم المنبثقة من الفلسفة: مثل الدور الأساسي للبراهين، والحاجة إلى التفسير (في شكل آليات ونماذج)، ومبدأ الشك باعتباره وسيلة للوصول إلى المعرفة، قد ساعدت في ميلاد شكل جديد من البحث العلمي.
في العصر الحاضر، يتعلم الطلاب على مستوى العالم منهجا تولد من تلك الجدالات يسمى «الطريقة العلمية». يتمثل استخدام هذه الطريقة في طرح سؤال ما، ثم اقتراح إجابة للسؤال (تسمى «الفرضية»)، وتعد هذه الفرضية فكرة مبدئية في أثناء جمع البراهين لإثباتها أو دحضها. وتصبح الفرضيات التي تصمد أمام هذا التدقيق «نظريات» لا يزعم بأنها حقيقة أبدية ولا شك فيها، لكنها تعتبر أساسا قويا يمكن استخدامه قاعدة للأبحاث في المستقبل.
إن العلوم الحديثة التي تستخدم التجارب المدروسة والمصممة بعناية لاختبار الفرضيات، ومراجعات الأقران الرسمية التي يدرس فيها العلماء البراهين التجريبية التي استخرجها علماء آخرون، والتي يحاول علماؤها تكرار تجاربهم ونتائجهم، التي تتسم أيضا بتبني الشك البناء في دراسة التفسيرات والنماذج، هي المجال الذي يجسد الشكل الأكثر تقدما من هذا النوع من التفكير. وبالرغم من أننا قد نتشكك فيما إن كانت الطريقة العلمية التي نعلمها لأطفال المدارس تجسد «الموقف العلمي»
7
الذي يدفع إلى الاستكشافات والتعمق أكثر في الأسئلة التي يطرحها فلاسفة العلم المعاصرون عن قيود النهج العلمية الحالية،
Página desconocida