170

Pensamiento científico y desarrollos de la realidad contemporánea

التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر

Géneros

يستكمل هيزنبرج الحديث بقوله: «ثمة إجابتان محتملتان لهذا السؤال. الأولى منهما هي: لقد أقنعتنا الخبرة أن قوانين نظرية الكم صحيحة، فإذا كانت كذلك، فإننا نعرف أننا لن نجد واقعة سابقة تعلل انبعاث الجسيم في وقت معين. أما الإجابة الثانية فهي: إننا نعرف الواقعة السابقة، لكن ليس بشكل دقيق تماما. إننا نعرف القوى في النواة الذرية المسئولة عن إطلاق جسيمات ألفا. لكن هذه المعرفة تحمل اللامحققية الناجمة عن التفاعل بين النواة وبين بقية العالم. فإذا أردنا أن نعرف السبب في إطلاق جسيم ألفا في ذلك الوقت المعين فمن الضروري أن نعرف التركيب الميكروسكوبي للعالم بأكمله بما فيه أنفسنا، وهذ أمر مستحيل؛ ولهذا فلم تعد حجج كانط للصفة القبلية لقانون العلية قابلة للتطبيق هنا.»

53

إن قول هيزنبرج باللاحتمية والذاتية في الفيزياء الحديثة استنادا إلى احتمالية هذه الوقائع وإحصائية قياسها، قد فتح باب الاجتهاد لوضع تفسيرات ميتافيزيقية للكون الذري، وأول هذه التفسيرات هو القول بنظرية في الحرية الإنسانية استنادا إلى فكرة اللاحتمية. والعلماء الذين يذهبون هذا المذهب يحددون المسألة على هذا النحو: لا يمكن أن توجد سيطرة حتمية كاملة على الظواهر غير الحتمية ما لم تكن الحتمية مسيطرة على الذهن نفسه، وعلى العكس من ذلك لو أردنا أن نحرر الذهن فينبغي إلى حد ما أن نحرر العالم المادي كذلك.

54

ويبرر هؤلاء العلماء موقفهم هذا من خلال مقارنتهم بين ميكانيكا نيوتن وميكانيكا الكوانتم؛ فالأولى قد ضربت على الكون ستارا حديديا من الحتمية الآلية الصارمة، التي تعبر عن سيطرة الضرورة العقلية على الطبيعة والإنسان على السواء؛ فكل شيء مقدر له سلفا وبنوع من الضرورة، ماذا سيكون عليه في المستقبل. وهكذا عاش الإنسان في ظل حتمية نيوتن أو السببية الضرورية كما لو كان يختنق؛ فكل ما يحدث لا بد له من سبب، فإذا عرف السبب كان كالقضاء المبرم الذي لا راد له، بحيث يتحتم على الشيء أن يحدث. وقد أحسن كل من اسبينوزا وكانط التعبير عن هذه الحتمية كل بطريقته الخاصة. وبينما كان كانط على استعداد للتضحية بالضرورة الإبستمولوجية من أجل الأخلاق، كان ديكارت قد سبقه إلى ذلك، حينما قرر أن الإرادة أوسع من الذهن؛ أي إن الإرادة الحرة لا تخضع لمنطق التفكير الرياضي.

55

وعلى العكس من ذلك، جاء مبدأ اللاتحديد عند هيزنبرج ليفك الحصار الذي ضربته حتمية نيوتن على الكون بما في ذلك الإنسان. والأساس المنطقي الذي يعتمد عليه هذا اللاتحديد هو نظرية الاحتمالات، بمعنى أن حتمية نيوتن قد قامت على فكرة المسار الثابت والذي يحتم الجمع بين الموضع والسرعة بالنسبة للشيء المتحرك، ولكن بناء على معادلة هيزنبرج على هامش الخطأ، فمن المستحيل الجمع بين الدقة الكاملة في قياس الموضع والسرعة بالنسبة لحركة الإلكترون، فيقول بعض الباحثين: «إن تركيب الأجهزة لقياس إحداثيات الإلكترون (أي موضعه المكاني) يحول آليا دون وضع المعدات المطلوبة لقياس سرعته في المكان نفسه، والعكس صحيح؛ فعملية القياس ذاتها تحدث في وضع الإلكترون تغيرا لا سبيل إلى التنبؤ به. وهكذا حاول البعض استثمار مبدأ اللاتحديد بطريقة ميتافيزيقية ليؤكد بها حرية الإرادة الإنسانية، بالرغم أن منهم علماء يعرفون حدود العلم، وبالرغم من أن هيزنبرج لم يرتق ببحوثه إلى الإنسان، فقد ذهب «بافينك» و«إدنجتون»، كل منهما على حدة، إلى تفسير عجز العلماء عن التنبؤ بأي الإلكترونات هو الذي سيقفز من مداره، وإلى أي المدارات سيتجه، نقول تأولوا ذلك بأن الإلكترون «حر» في أن يقفز متى وأنى شاء. أفيكون الإنسان وإرادته أقل حرية من الإلكترون؟»

56

ولكي نفهم وقع نظرية الكم على تصورنا العام للكون فهما واضحا، فقد يحسن بنا ألا نسأل الفلاسفة والعلماء، وأن نسأل الكتاب الأدباء، الذين عبروا عن مشاعر القرن العشرين. كتب جورج برنارد شو يقول: «إن العالم الذي بناه إسحاق نيوتن، والذي ظل القلعة المنيعة للمدينة الحديثة على مدى ثلاثمائة عام قد تهاوى أمام نقد أينشتين كما تهاوت جدران المعبد. كان عالم نيوتن يمثل معقل المذهب العاقل للحتمية؛ فالكواكب في مداراتها تخضع لقوانين ثابتة لا تتغير، وكذلك تخضع الإلكترونات في مدارها في الذرات لنفس القوانين العامة. إن كل لحظة من لحظات الزمن تحكم اللحظة التي تليها ... إن كل شيء يمكن حسابه، وكل ما وقع كان حتما أن يقع. لقد أزيلت الأوامر من فوق مائدة القوانين، وحل محلها علم الجبر الجاري؛ معادلات الرياضيين.»

57

Página desconocida