يمدح بها النبيَّ، ﷺ، قصة مشهورة وقد خلدها المصنفون كتبهم وأودعوها بطون أوراقهم. وخرج النبي، ﷺ، وجارية حسان بن ثابت تنشد:
هل عليَّ ويحكما ... إنْ لهوتُ من حَرَجِ
فقال: لا حَرَجَ إنْ شاءَ الله.
وأنشده النابغة الجعدي قوله:
بلغنا السماءَ مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوقَ ذلكَ مَظْهَرا
فغضب ﷺ، وقال: أين المظهر يا أبا ليلى، فقال: الجنة يا رسول الله، فقال: إن شاء الله تعالى، وضحك، وأنشده منها:
ولا خيرَ في حلم إذا لم تكن له ... بوادِرُ تحمي صفوه أن يُكَدَّرا
ولا خيرَ في جهلٍ إذا لم يكن له ... حليمٌ إذا ما أوردَ الأمر أصْدَرا
فقال: أجدتَ، لا يفضض الله فاك، فنيّف على المائة وكأنَّ فاهُ البَرَدُ المنهلُّ ما سقط له سنٌّ ولا انغلت.
وعن عكرمة قال: كان عبد الله بن رواحة مضطجعًا إلى جانب امرأته في الليل، فقام إلى جاريته فأتاها، فندرت به امرأته فأخذت شفرةً وجاءت إليه لتضربه، وقالت: لو أدركتكَ بها وجاءت بين كتفيك، قال: لِمَ، قالت: رأيتك، قال: أليس رسول الله، ﷺ، قد نهى الجُنب أن يقرأ، قالت: فاقرأ، فقال:
وفينا رسولُ الله يتلو كتابه ... كما لاحَ مشهورٌ من الصبح ساطعُ
أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ... له موقنات إنَّما قالَ واقِعُ
يبيتُ يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركينَ المضاجعُ
فقالت: آمنت بالله وكذبتُ البَصَرَ، ثم غدوت على رسول الله، ﷺ، فأخبرته، فضحك حتى بانت نواجذه.
وسمعت هذه الحكاية على ما هي عليه عدا الشعر فإني سمعته هكذا:
شهدت بأنَّ وعدَ اللهِ حقٌّ ... وأنَّ النارَ مثوى الظالمينا
وأنَّ العرشَ فوقَ الماءِ طافٍ ... وفوقَ العَرْشِ ربُّ العالمينا
وعن الشَّعبي عن ابن عباس، قال: قدِم وفد بكر بن وائل على رسول الله، ﷺ، فلما فرغوا من شأنهم، قال لهم: هل فيكم أحدٌ من إياد، قالوا: نعم، قال: أفيكم أحدٌ يعرف قُسَّ بن ساعدة الإيادي، قالوا: نعم، كلُّنا نعرفه، قال: فما فعل، قالوا: هلك، قال: ما أنساه بسوق عكاظ في الشهر الحرام يخطب الناسَ على جمل له أحمر، وهو يقول: يا أيُّها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا، مًنْ عاش مات، ومَنْ مات فات، وكلُّ ما هو آتٍ آت.
أما بعد فإن في السماء لخبرًا وإنَّ في الأرض لعبرًا، سقفٌ مرفوع، ونجومٌ تمور، وبحارٌ لا تغور، وتجارة لن تبور، أقسَمَ قسّ بالله وما أثِمَ لئنْ كان بعض الأمر رِضىً لك إن في بعضه لسخطًا وما هذا لعبًا، وإن من وراء هذا لعجبًا، أقسَمَ قسّ بالله إن لله دينًا هو أرضى له من دينٍ نحن عليه، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون، أرَضوا فأفاقوا، أم تُركوا فناموا، قال: وقال رسول الله، ﷺ: لقد سمعته ينشد أبياتًا لا أحفظها، فقال بعضهم: أنا أحفظها يا رسول الله، قال: قُل، فقال:
في الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائرْ
لما رأيتُ مواردًا للموتِ ... ليس لها مصادرْ
ورأيت قومي نحوها ... يمشي الأصاغر والأكابرْ
لا يرجع الماضي ولا ... يبقى من الباقين غابرْ
أيقنتُ أني لا محا ... لةَ حيثُ صارَ القومُ صائرْ
وروي عن قتادة عن أنس أنه لما بنى مسجده، ﷺ، كان ينقل اللبن مع المسلمين، ويقول:
اللهم إنَّ الخيرَ خيرُ الآخره ... فارحم الأنصار والمهاجره
وقال، ﷺ، يوم حنين:
أنا النبي لا كَذِبْ ... أنا ابنُ عبدِ المطلبْ
والرجز بحر من أبحر الشعر ونوع من أنواعه.
قال جامعه: ربما كان هذا موضوعًا عليه، ﷺ، لأن الشعر لا ينبغي له وهو ممنوع عنه، وإن كان قد روي فالعهدة على راويه وأنا أستغفر الله من نقل ما لا يجوز نقله ولا تصح الرواية فيه، وإياه أسأل أن يعصمني من موبقات الدنيا والآخرة.
1 / 3