الحس ، فيكون هو النفس لا محالة. فإن ما أن نشعر بأنا قد شعرنا بذواتنا فهو من فعل العقل.
الشعور بالذات يكون للنفس بالفعل فإنها تكون دائمة الشعور بذاتها. وأما الشعور بالشعور فإنه يكون بالقوة. ولو كان الشعور بالشعور بالفعل ، لكان دائما ولم يحتج إلى اعتبار العقل.
إدراكى لذاتى هو أمر يقوم لى ، لا حاصلا لى من اعتبار شىء آخر ، فإنى إذا قلت : فعلت كذا ، فانى أعبر عن إدراكى لذاتى وإن كنت فى غفلة عن شعورى بها. وإلا فمن أين يكون (أن) أعلم أنى فعلت كذا لو لا أنى اعتبرت أولا ذاتى؟! فإذن قد اعتبرت أولا ذاتى لم فعلها ، ولم أعتبر شيئا أدركت به ذاتى.
شعورنا بذاتنا هو نفس وجودنا.
إذا علمنا شيئا ففى علمنا بادراكنا له شعور بذاتنا لا نعلم أن ذاتنا أدركته ، فشعرنا أولا بذاتنا. وإلا ، فمن أين نعلم أنا أدركناه لو لا أنا شعرنا أولا بذاتنا؟! ومثل ذلك بينة ، لا برهان ، على أن النفس شاعرة بذاتها.
الأوليات ليست بالفعل وإلا لم يحتج فيها إلى اعتبار.
الشعور بالذات هو غريزى للذات ، وهو نفس وجودها فلا نحتاج إلى شىء من خارج ندرك به الذات ، بل الذات هى التي ندرك بها ذاتها ، فلا يصح أن تكون موجودة غير مشعور بها ، على أن يكون الشاعر بها هو نفس ذاتها ، لا شىء آخر. وليس هذا خاصا للإنسان ، بل جميع الحيوانات تشعر بذواتها على هذا الوجه. والشعور بالغير يحتاج إلى معرفة سابقة بأحواله وصفاته ، فإنك لو لم تعرف زيدا بأحواله وصفاته لم تعلم إذا أدركته حسا أنه هو ذاك الذي تعرفه ، ولم تعلم أنه هو الفيلسوف مثلا ، فإن هذا المشاهد ما لم يسبق علمك به لم يمكنك أن تقول : إنه هو ذلك الشىء الذي أعرفه.
إن قال قائل : إن الأسماء لا تعرف منها حقائق الأشياء : فإنا إذا سمعنا باسم رجل لم نشاهده ، أو باسم شىء لم نعرفه ، لم يمكنا أن نستدل من الاسم على صورته ، بل تجب أن تكون قد وردت علينا صورته من طريق الحس مقرونة باسمه ، فإذا سمعنا باسمه تصورناه ، كما إذا تصورناه مثلا تذكرنا اسمه فكيف الحكم فى واجب
Página 161