سياقة البرهان على ذلك : كل متحرك فيجب أن تتعين الغاية التي يتحرك إليها. فكل واحدة من حركات الفلك يجب أن تتعين الغاية التي تؤمها. ولا شىء من الأوضاع مما يصح وجودها أو يعينها فى الأعيان قبل الحركة. فإذن لا شىء من الأوضاع التي تتعين ويؤمها الفلك بالحركة مما يتعين فى الأعيان. وكل متعين من الحركات فإما أن يتعين فى الأعيان أو فى نفس المحرك. وإذا بطل القسم الأول فقد يصح القسم الثاني.
الحركات الفلكية على أوضاع متخصصة ، وتخصيصها يجب أن يكون فى نفس محركها.
كل حركة فيجب أن يتعين بازائها وضع حتى يصح وجودها أى كل دورة تعد وضعا.
المعقولات لا يتشخص بها شىء ، ولا يتشخص؛ والشىء إنما يتخصص بالوضع ، والوضع إنما يكون فى الأجسام.
تخصص أشخاص الأنواع لا يكون إلا بمادة ولا يكون بمعقول ، فإنه لا يتخصص به شخص واحد من أشخاص الإنسان ، بل يكون الإنسان فيه معنى أحديا ، وكذلك كل معنى.
المعنى المعقول لا يتكثر ، بل هو معنى أحدى الذات ويشترط فيه أن يقبل التكثر. وإذا حصل فى مادة قبل الانقسام. ويكثر أيضا من حيث يحصل فى مواد مختلفة.
وإذا تكثر فإنه يكون متخيلا لا معقولا ، ويكون حينئذ متخصصا بالتخيل. يصعب معرفة الفصول التي تتميز بها الأنواع وكذلك ما تتميز به الأشخاص ، وما تتميز به الأمزجة. والذي يؤتى به على أنه فصول كما يؤتى بالحساس فانه خاصة من خواصه أو لازم أو دليل أو شرح ذلك المعنى ، كما يقال فى واجب الوجود إنه شرح ذلك. فتنوع المعنى الجنسى فى كل واحدة منها ، فإن ما يتنوع به لا يعرف حقيقته ، وإنما يعرف لازم له ، لا الفصل بعينه.
الزمان لا يمكن رفعه عن الوهم ، فإنه لو توهم مرفوعا لأوجب الوهم وجود زمان يكون فيه الزمان مرفوعا. ولهذا أثبت المعتزلة هاهنا امتدادا ثابتا بين الأول وبين خلق العالم وسموه «اللاوجود». وهذا مثل ما أثبتت خلاء يكون فيه وجود العالم ، وأنه إذا توهم العالم مرفوعا وجب وجود الأبعاد فإنه يتوهم دائما فضاء غير متناه ، ولذلك يتوهم امتدادا ثابتا. وكلاهما محال. وفى امتناع ارتفاعهما عن الوهم دليل على أن الزمان سرمدى والعالم سرمدى وأن الأول يتقدم عليهما بذاته لا غير. ولا يمكن أن يتوهم الوهم الزمان إلا شيئا منقضيا سيالا لا يثبت على حال ، وعندهم أن هذا الامتداد الثابت هو وعاء الزمان ، وهو محال ، إذ هو نفس الزمان ، فإنه منقض متجدد
Página 138