يتعجَّبون وقعدنا كلنا نسبِّح ونذكر (١).
قال ابن العطار: وأخبرني الشيخ القدوة وليّ الدِّين أبو الحُسين قال: مرضتُ فعادني الشيخ محيي الدِّين، فلما جلس عندي جعل يتكلَّم في الصبر، فلما تكلم جعل الألم يذهب قليلًا قليلًا حتى زال، فعرفت أنه ببركته.
وكان شديد الورع والزهد صابرًا على خشونة العيش، حتى إِنَّ رجلًا من أصحابنا قشَّر خيارة ليطعمه إياها فامتنع من أكلها وقال: أخشى أن ترطِّب جسمي وتجلب النوم، وكان لا يدخل الحمام. وقلع ثوبه ففلاه بعض الطلبة، وكان فيه قمل فنهاه وقال: دعه.
وكان تاركًا لجميع ملاذ الدنيا، ولم يتزوَّج، ولا يأكل في اليوم والليلة إلَّا أكلة واحدة بعد العشاء مما يؤتى به من عند أبويه، ولا يشرب إلَّا شربة واحدة عند السحر، ولا يشرب المبرد، أي: الملقى فيه الثلج، وكان لا يجمع بين أدمين، ولا يأكل اللحم إلَّا عندما يتوجه إلى نوى.
وكان يلبس ثوب قطن وعمامة سنجابية. ولم يتناول فواكه دمشق لشُبهة ما فيها، قال ابن العطار: فسألته عن ذلك فقال: دمشق كثيرة الأوقاف، وأملاك من هو تحت الحجر والتصرف، وهي لا تجوز إلَّا على وجه الغبطة، والناس لا يفعلونها (٢).
_________
(١) "تحفة الطالبين" (ص ٥٣).
(٢) "تحفة الطالبين" (ص ٧٠ - ٧٣).
1 / 37