فالواجب على من أنعم الله عليه بالإسلام ، وخصه بشريعة الإيمان ، أن يبدأ بتعليم الأصول قبل الفروع ، وأن يثبت قواعد البنيان قبل أن يرفع شواهق الأركان ، ومن عرف معاني الأصول عرف كيف يبني عليها (¬1) الفروع ، ومن لم يعرف حقيقة الأصول ، كان حريا أن تخفى عليه أحكام الفروع .
- [ أنواع العلوم ]
فالواجب على من أتاه الله حاسة (¬2) العقل ، وقطع بها عذره ، أن يناصح بها نفسه فيما كلفه من حاجة نفسه ، ومكنه من الأسباب المؤدية إلى درك ما ندب إليه ، وخص به ؛ لأن أسباب العلوم ودليل البيان (¬3) موقوفة على العقول ، ومعلومة بها دون غيرها ، فبزوالها يزول عنه الخطاب ، ويسقط عنه العقاب (¬4) ، ويجب بصحته الثواب (¬5) .
فجميع المعلومات تستدرك (¬6) بها ، وهي على ضربين ، وتنقسم قسمين:
أحدها : يدرك بالحواس والمشاهدة ، وهو أصل العلوم (¬7) ، وأوائل الأدلة (دلائل قلبه) (¬8) ، ولا دليل قبله ، ولا علم يتقدمه ، ولا يقع (¬9) فيه الاختلاف إلا بما يعلم بأحد الحواس كالسمع والبصر والشم والذوق واللمس ، يستوي في معرفته كل من كانت له حاسة ، وصحت فيه مشاهدة ، وهذا الضرب يقع العلم به ضرورة ، ويعرف المعلوم منه بالحقيقة ، وعليه يصح البناء ، وعنه تتفرع الفروع .
¬__________
(¬1) 7 ب : عليه
(¬2) 1 ب : حاصة ، وفي الحاشية : حاسة
(¬3) 2 ب : ودلائل البنيان
(¬4) 3 ب : العتاب
(¬5) 4 ب : الثواب والعقاب
(¬6) 5 ب : يستدرك ، والمقصود هنا العقول .
(¬7) 6 وهو ما يسمى أيضا بالعلم الضروري ، قال الإمام السالمي : " وأما الضروري منهما فهو ما لا يحتاج إلى طلب أصلا كإدراك القضايا الأوليات ، وهي ما يدركها العقل من أول مرة كقولنا : الكل أعظم من الجزء ، والواحد نصف الاثنين . [ عبد الله السالمي ؛ مشارق أنوار العقول 61 ]
(¬8) 7 - أ
Página 18