ويخرج توفيق ويغلق الباب، ويضع الدكتور صورة أشعة على الفانوس وينظر فيها بدقة، ثم يقلب في أوراق الدوسيه، ويكتب في إحدى الصفحات: «درن رئوي مزدوج - حالة سيئة - لا يقدر على العمل، يستحق إعانة.»
ويفتح الباب ويدخل توفيق: يا سعادة البيه فيه واحدة بره عاوزة تقابل سعادتك ومعاها جوزها مريض عندنا. - خليها تدخل.
وتدخل امرأة في الثلاثين تقريبا ناشفة كعود الذرة المقطوع، وثيابها مهلهلة، ويستند على ذراعها الطويل الرفيع هيكل رجل عيناه غائرتان في رأسه وفمه مفتوح على آخره يلهث: والنبي يا بيه الرجل ده وراني المر، ومعايا منه ست عيال، إلهي يكفيك شر العيا تدخله المصحة. - اسمه إيه؟ - عباس عبد الله محمد.
ويفتش الدكتور في الدوسيهات أمامه، ثم يخرج من بينها دوسيه بنفس الاسم، وينظر فيه بضع دقائق، ثم يقول: يا ستي ده كان في المصحة! - أيوه يا بيه قعد في المصحة كام شهر وبعدين خرج. - طيب يا ستي وأنا أعمل إيه، مفيش سراير فاضية دلوقت، خليه في البيت لغاية ما سرير يفضى، والمصحة تبعت له يبقى يروح. - والنبي يا بيه ربنا يخليك، أنا باشتغل وبأكل العيال الستة واحنا غلابة قوي و... - مش في إيدي يا ستي، لما المصحة تبعت تقول فيه سراير فاضية حابعت لك، ده كل اللي عندي! - ربنا يخليك يا بيه. - ربنا ياخدني أحسن، قلت لك مش في إيدي! - يا سعادة البيه إحنا فقرا و... - أيوه، حكاية فقرا دي مش شغلتي يا ستي، أنا شغلتي دكتور، طبيب، حكيم صدر، أفهم في السل بس! - ربنا يخليك يا بيه. - أوه! مش عاوز دعاوي، يا توفيق، يا هباب! يا زفت الطين، خد الست دي من هنا، خليني أعرف أشتغل.
ويأخذها توفيق خارج الحجرة، وفي ذراعها الرجل اللاهث، ويغلق الباب وراءه، ويشعل الدكتور سيجارة، ويفتح «دوسيه» آخر، وينظر في الأشعة، ثم يكتب تقريره، وينتقل إلى دوسيه ثان، وثالث، ويدق جرس التليفون بجواره على المكتب: آلو. - الست عنايات موجودة؟ - مين عاوزها؟ - حسين. - يا سي حسين اطلبها والنبي بعد الساعة اتنين، أصل ده تليفون حكومة، تليفون مستوصف يا خويا، ويقفل السكة.
وتدخل عنايات ومعها طفلة: والنبي يا بيه، بنت أختي بقالها يومين بتكح، وفي النازل، والنبي تشوفها بالأشعة عشان أمها تطمن. - شافك ربنا بدري! مين يا ولية اللي اسمه حسين اللي بيطلبك في التليفون ده؟ مش عيب عليك وانت كركوبة وشعرك شايب تدي مواعيد في التليفون؟
وتبتسم عنايات في سعادة، ثم تضحك ضحكة قصيرة رنانة، وتقول وهي تنظر إليه في دلال: كركوبة إيه يا بيه، ده أنا من مواليد واحد وتلاتين! - يا بت بلاش كدب، بقى ما حضرتيش ثورة 19؟ بس بلاش كدب، مين الواد اللي اسمه حسين ده؟ - ده جوز اختي كان عاوز يطمن على بنته. - غوري، خليهم يحضروا حجرة الأشعة. - حاضر يا بيه.
وتخرج عنايات ومعها الطفلة، ويعود الدكتور إلى الدوسيهات والأشعات، ثم يفتح الباب وتدخل تمورجية بملابس زرقاء وتقول بصوت خائف: خلاص يا سعادة البيه أودة الأشعة جهزت.
وتدخل عنايات، وتقترب من المكتب وتقول له: «أودة الأشعة جهزت اتفضل يا بيه.»
ويقف الدكتور، ويلبس النظارة السوداء، ثم يقول في حدة: خليكي هنا جنب المكتب، مش عاوز ورقة تضيع هنا ولا هنا، المحفظة في الجاكتة في الدولاب، الكباية قدام عنيك أهه على المكتب، عاوز الثلج يتغسل بالصابونة، مفهوم؟ - حاضر يا بيه.
Página desconocida