وسمعت لساني يجيب في غيبوبة: يا حبيبي، يا حياتي!
وسمعت صدري يلهث، وصوتي يفتر ويتهدج، وتدركه بحة!
وتقلبت في فراشي في ذعر، وأنا أتشبث بالغطاء، كأنما أخشى على شيء غال في نفسي، شيء عزيز أخشى عليه الهوان.
آه، يا لضعفي!
هذه المرة
خرجت نفيسة من المستشفى تحمل حقيبة ملابس صغيرة في يدها، وعلى وجهها وعينيها علامات إجهاد وإرهاق، وسارت محنية إلى الأمام بعض الشيء، مطرقة رأسها تفكر في أشياء كثيرة حتى وقفت قدماها أمام محطة الأتوبيس.
ووضعت الحقيبة على الأرض بين ساقيها، وشبكت ذراعيها حول صدرها، ووقفت تنظر إلى شارع الهرم العريض، وترقب بنظرات فاترة سيل العربات وهي تنحدر بسرعة آخذة في الهبوط مع الطريق الأملس الذي يهبط تدريجا إلى نفق قطار الصعيد.
وكان قرص الشمس يميل على مهل بعيدا جدا عند رأس شارع الهرم ويصبغ باللون الأحمر كل الأشياء، السماء والأرض والبيوت وأعمدة النور، ومقدمات العربات الصاعدة نحو الهرم، ومؤخرات العربات الهابطة إلى النفق، كل شيء كان أحمر بلون الخدود!
وسقطت الأشعة الحمراء على وجه نفيسة وهي تقف وقفتها الحائرة: فزادت عيناها السوداوان حزنا وعمقا، وبدت شفتاها المطبقتان كأنهما قد انطوتا على جرح ينزف دما أحمر خفيفا.
وفكت ذارعيها بسرعة من حول صدرها لتطرد «بعوضة» لدغت ساقها فلمست يدها الجورب الجديد الذي تلبسه، ومالت برأسها إلى الأمام قليلا لتنظر كيف يبدو الجورب على ساقيها، فوجدت أن لونه لا يناسب بشرتها السمراء، ولكن ماذا تفعل؟ إن الدكتور رشيد هو الذي اختاره لها!
Página desconocida