كانت اللغة العربية تدرس في الهند قديما قبل التقسيم بطريقتين:
الأولى:
وهي الطريقة القديمة، وكانت الغاية منها هي دراسة الدين الإسلامي، وكانت هذه الطريقة على نسق الطريقة المتبعة في الأزهر قديما منذ ثلاثمائة سنة تقريبا، وهي طريقة القسم العام بالأزهر. وكانت هذه الدراسة تقف عند مستوى العالمية، أي إنه لم يكن فيها مجال للبحث والتطويل فهي تحصيل فقط يقف دون مرحلة البحث، والمتعلمون بهذه الطريقة كانوا يعرفون العربية لغة ولكنهم لا يعرفون اللغة العربية ثقافة، أي إنهم يستطيعون فهم اللغة العربية وقراءة الكتب وخاصة القديم منها ولكنهم لا يعرفون الكثير من الثقافة العربية وتاريخ اللغة العربية وتاريخ العالم العربي وتاريخ الأدب العربي، وكانت معرفتهم للغة محدودة كذلك في نطاق الطرق القديمة، أي إنهم يفهمون اللغة ولكن لا يستطيعون التحرير أو الكتابة بها. وكانت تقوم بهذه الطريقة المدارس الدينية التي كان يقبل عليها الشعب.
الطريقة الثانية:
وهي الطريقة التي كانت متبعة في الجامعات النظامية، وكانت اللغة العربية تدرس على أساس هذه الطريقة باللغة الإنجليزية، وكان يقوم على أقسام اللغة الدينية في بعض هذه الجامعات أساتذة إنجليز أو مستشرقون. وكان الدارس على هذه الطريقة يعرف الثقافة العربية خلال النظرة الإنجليزية أو الأوروبية، فهو يعرف الأدب العربي وتاريخ الحضارة الإسلامية وتاريخ الفكر الإسلامي، ولكن مقدرته في اللغة العربية ظلت قاصرة على فهم النص العربي القديم من كتب التاريخ أو الأدب، فاللغة العربية بهذه الطريقة كانت تعامل معاملة اللغة اللاتينية أو اليونانية في الجامعات الأوروبية.
والطريقتان كانتا تعنيان بالنصوص القديمة، فالكتب التي تدرس هي الكتب التي استوفت حظها من القدم، أما الكتب الجديدة فلا يعلمون عنها شيئا، فكانت تدرس المعلقات وديوان الحماسة والمتنبي والكامل وفتوح البلدان وغير ذلك، أما الأدب الحديث والإنتاج الحديث في اللغة العربية فلم يكن معروفا هناك.
ونحن نحاول الآن في طريقتنا الحديثة أن تكون دراسة اللغة العربية دراسة للفكر العربي والثقافة العربية، كما تكون دراسة للغة نفسها. وتكون الدراسة بحثا ونظرا ونقدا، وتكون دراسة للغة لها أدبها وكتبها وصحفها لا للغة ميتة موجودة في بطون الكتب فحسب، ولذلك نولي عناية خاصة للتحرير والبحث والنقد باللغة العربية نفسها لا باللغة الإنجليزية التي هي الآن لغة التدريس في الجامعة.
وهذه الطريقة يتوقف نجاحها على شيئين إن توافرا أصابت نجاحا، وهذان الشيئان هما: الاستعانة ببعض المدرسين من البلاد العربية وخاصة مصر، ممن يستطيعون أن ينهضوا بهذه الطريقة الجديدة، وإعداد المدرسين الباكستانيين سواء من تخرج منهم على الطريقة القديمة أو طريقة الجامعات، ليكونوا أهلا لحمل أعباء الطريقة الجديدة ونشرها. والمسألة الأولى تقف العقبات المالية دونها، وإن كنا نحاول تذليلها في حدود ضيقة فقط للظروف الاقتصادية السائدة في الباكستان، وأما المسألة الثانية فهي أصعب من الأولى فأصحاب الطريقة القديمة يريدون المحافظة عليها، خاصة وأنهم يجدون صعوبة في اصطناع الطريقة الجديدة، فكلما أحسوا صعوبة نزعوا إلى الطريقة القديمة.
هذا إلى أن بعضهم يرى أن الطريقة الجديدة ستفتح الباب لدخول مزاحم لهم يحسون فيه خطرا غامضا يتخوفون منه، وإذا نجحنا في أن نحمل دارس العربية في الباكستان على اصطناع الطريقة الجديدة فقد ضمنا مستقبلا قويا للعربية في الباكستان.
والطريقة في تيسير السبيل أمام الذين يقومون على تدريس اللغة العربية في الباكستان لكي يصطفوا الطريقة الحديثة، هي أن تعقد صلة قوية بينهم وبين البلاد العربية وخاصة مصر، وطريقة ذلك هي تيسير السبل أمامهم لزيارة مصر والإقامة فيها بعض الوقت، ولكن تحول دون ذلك العقبات المالية أيضا. وحبذا لو اهتدى أولو الأمر إلى طريقة يوفرون بها لهؤلاء هذه الفرصة في حدود اقتصادياتهم المحدودة، وحبذا لو شجعت مصر أمثال هؤلاء ببعض وسائل التشجيع.
Página desconocida