كان إقبال يريد أن يرى الأخوة المشتركة تربط بين بني البشر كلهم رغم تفرقهم إلى شيع ومجموعات بسبب العوامل الجغرافية وبعد المسافة بينهم، ولذا راح يبشر ضد التعصب القومي الذي لا يؤدي إلا إلى تشتيت شمل الناس والتفرقة بينهم، بل إنه لم يناد بتأسيس الباكستان إلا مدفوعا بالعامل الإنساني الصرف، إذ إنه لم يكن يتصور أن يسيطر شعب على شعب آخر، أو أن يسيطر جزء من شعب على الجزء الآخر لا لسبب إلا لأن للأول أغلبية دينية.
وهكذا كان إقبال أول من راودته فكرة الباكستان، وليس ثمة شك في أن الدور الذي قام به في إحداث الثورة الفكرية بين مسلمي شبه القارة الهندية كان له أكبر الأثر في خدمة قضية المسلمين، وأن ظهور الباكستان إلى حيز الوجود دولة مستقلة قد أضفى على شخصيته كأديب وكفيلسوف وكسياسي عظمة فريدة في نوعها.
ويقول الأستاذ محمد مظهر سعيد: إن إقبال ورث حكمة الهند عن أسلافه البراهمة، كما ورث حب الإسلام عن آبائه المسلمين، ثم نهل من معين الفلسفة الغربية في أوروبا وحصل على إجازتها الجامعية من كامبردج وميونخ، وتأثر إلى حد كبير من تعاليم نيتشه في السوبرمان وبرجسون في التطور المبدع وكنت في الاتجاه العملي. ثم هو من جانب آخر تأدب بأدب الفرس وتأثر بشعر حافظ ثم عرج على التصوف فتأثر بمذهب جلال الدين الرومي.
أفلا يحق لنا أن نقول كما قال مهيار عن نفسه: «جمع المجد من أطرافه: حكمة الهند وفلسفة المغرب وأدب الفرس ودين العرب».
هذا هو إقبال رسول العصر الذي يقول عن نفسه: لست في حاجة إلى الأذن التي تسمعني اليوم فأنا صوت شاعر الغد أهدي الضال وأنادي بروح جديدة.
وقص علي الأستاذ محمد حبيب، وهو من المصريين القلائل الذين قابلوا إقبال وتحدثوا إليه:
بينما كانت مصر تكافح في سبيل استقلالها، ومعاهدة 1936 لا تزال في الميزان لم تعرض بعد على البرلمان البريطاني من ناحية والبرلمان المصري من الناحية الأخرى؛ كنت أطوف في بلاد الهند، وكان من حسن حظي أن اجتمعت بالسيد محمد إقبال.
كنت أظن أنني سأقابل رجلا عني بشئون الهند خاصة، وركز كل همه في أن ينال للمسلمين حقوقهم وسط الأغلبية الهندوسية.
ولكني لم ألبث أن وجدت نفسي بحضرة رجل اتسع أفقه السياسي حتى شمل الشرق بأكمله.
حدثني عن مصر فقال: كل ما يخطر ببال السياسيين المصريين عن الهند أنها بلد اتصل بمصر في العصور القديمة وقد يستدلون على ذلك بأن بعض العناصر العربية استوطنت مقاطعة حيدر أباد الدكن، وأن بهذه المقاطعة نهرا يسمونه «النيل»، ولكن هذه النظرة التاريخية يجب أن تلازمها نظرة واقعية.
Página desconocida