ورغم دراسة إقبال للقانون فإنه لم يشغف به بل كان حب الأدب طاغيا على صدره منذ الصغر، وقد أقنعته زيارته لأوروبا بأنه لم يخلق إلا للأدب والشعر.
ومع أن إقبال كان شاعرا وفيلسوفا إلا أنه لم يقطع صلته بدنيا السياسة، فكان عضوا في المجلس التشريعي بالبنجاب لمدة ثلاث سنين، كما أنه اشترك في مؤتمر المائدة المستديرة الذي عقد في لندن، وكان رئيسا لحزب الرابطة الإسلامية في كل الهند، كما كان العضو العامل في مؤتمر «الله أباد» التاريخي، حيث قام ينادي بضرورة انفصال المسلمين عن الهندوس ووجوب تكوين دولة خاصة بهم، الأمر الذي لم يتحقق إلا بعد مماته، وكذلك كان إقبال رئيسا لجمعية حماية الإسلام التي كانت تشرف على عدد من المدارس والملاجئ في باكستان الغربية.
وكما درس إقبال الأدب والقانون درس الاقتصاد وذلك بقصد الإلمام بالأحداث العالمية التي كانت تحيط به، وقد دعي لإلقاء محاضرات في جامعات أوروبا ولكنه لم يلب دعوة واحدة منها، غير أنه استجاب لطلب جامعة مدراس حيث ألقى ست محاضرات عن «التشكيل الجديد للفكر الديني الإسلامي».
الفيلسوف الشاعر: إقبال.
وتحت تأثير السن وبعد هذه المجهودات الكبيرة في سبيل الإسلام والعلم والفلسفة والدين ضعفت بنيته وأصيب بالمرض في سنة 1937، وقبل شروق شمس 21 أبريل سنة 1938 لفظ نفسه الأخير وصعدت روحه إلى بارئها.
وكانت آخر كلمة فاه بها «الله أكبر»! •••
وقد سأل العلامة السيد سليمان الندوي، تلميذ العلامة المرحوم شبلي النعماني، إقبال عن أسرار بلاغته التي اكتشف بها غوامض الدين ومعالم الحق ووصل بها إلى أساليب من التعبير ندر أن وصل إليها أحد من أهل الفقه والعلم، فأجاب إقبال: «يرجع الفضل في كل ما أنشأته من شعر أو نثر إلى توجيهات أبي - رحمه الله - فقد عودني تلاوة القرآن الكريم بعد صلاة الصبح من كل يوم، وكان كلما رآني سألني ماذا أصنع فأجيب بأني أقرأ القرآن الكريم، ثم إنه كان يعود إلى إلقاء هذا السؤال علي في صبيحة كل يوم فأجيبه بالجواب نفسه، حتى دفعني الفضول والضجر من تكرر السؤال إلى أن أقول له ذات يوم: «يا والدي، أنت تراني أتلو كتاب الله فلم تلقي هذا السؤال علي وأنت تعلم جوابي؟!»
فقال رحمه الله: بل إنني أردت أن أقول لك: اقرأ القرآن وكأنه نزل عليك! «ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن وأقبل على دواخل كلماته ومعانيه فكان من أنواره ما اقتبست ومن بحره ما نظمت ...»
وكان إقبال ينشد الشعر بالأوردية والفارسية، وكانت الصحف تنشر له كثيرا مما ينشده في المجامع والمحافل فجمع من آثاره ديوان أسماه «رنين الجرس»، ثم نشر بعده عدة كتب منها «أسرار خودى ورموز بيخودى» أي «أسرار الذاتية ورموز اللاذاتية» و«بيام مشرق» أي «رسالة المشرق» و«زبور عجم» و«جاويد نامه» وكل هذه باللغة الفارسية، بينما نظم «بال جبريل» و«ضرب كليم» و«رنين الجرس» باللغة الأوردية. وقد وافته المنية وهو ينظم ديوانه «أرمغان حجاز» أي «شقائق الحجاز» ونصفه بالفارسية والنصف الآخر باللغة الأوردية، وقد طبع هذا الكتاب بعد وفاته.
وقد ضمن إقبال دواوينه هذه مناحى كثيرة من فلسفته وتفكيره وعواطفه، وتناول فيها العالم والإسلام والأخلاق محاولا إيقاظ الشعور وإلهاب الحماسة في قلوب المسلمين خاصة والشرقيين عامة، وفي ذلك يقول أحد زعماء الهندوس: «إن إقبالا وضع المصباح على باب المسلم ولم يحجب نوره عن غير المسلمين، بل استطاع الجميع أن يستضيئوا بنور ذلك المصباح»، وعده أحد سفراء الفرس في الهند من أصحاب الرسالات الخالدة لإنارة العالم والإنسانية.
Página desconocida