ولما تولى حزب المؤتمر الحكم في الحكومة المركزية عد المسلمون هذا العمل ضربة موجهة إليهم، وفي الحال عقدت الرابطة اجتماعا في بومباي حيث اتخذت القرار التاريخي المعروف بقرار «العمل المباشر»، وطلب الحزب من كل أعضائه التنازل عن أي لقب يحمله أحدهم من الحكومة البريطانية، وأعلن عن نضاله السافر ضدها.
وقد دل حزب الرابطة في كل أعماله على أنه ممثل المسلمين كافة، واستطاع أعضاؤه أن يفوزوا بأغلبية أصوات المسلمين في الانتخابات المركزية والإقليمية. ولما اشترك المسلمون مع الهندوس في حكومة ائتلافية يرأسها نائب الملك، كان حلم الباكستان وشيك التحقيق وظهرت أمام المسلمين بارقة من الأمل، ودعت الحكومة البريطانية إلى مؤتمر يعقد بلندن وحضره ممثلون لحزب الرابطة ولحزب المؤتمر، وفي 3 يونيه عام 1947 أعلن قبول فكرة تأسيس الباكستان كما أعلن استقلال الهند.
وفي 14 أغسطس من عام 1947 قامت الباكستان بعد جهاد طويل مرير بدأ منذ عام 1857 واستمر تسعين سنة، بذلت فيها تضحيات كبيرة وقاسى فيها المسلمون ألوانا من الضيق والإكراه والشدة، ولكنهم كانوا خلالها أبطالا صمدوا للأحداث وواجهوها بقلوب عامرة وعزم ثابت، وهكذا قامت هذه الدولة وهي تستند إلى جهاد طويل وثقافة تعود إلى آلاف السنين.
ولقد دلت الأحداث الكثيرة التي مروا بها خلال القرن التاسع عشر على استحالة الحياة مع أمة غيرهم تكبرهم بثلاثة أضعاف.
ومنذ سنة 1936 حتى 1947 كان القائد الأعظم محمد علي جناح محور السياسة الذي كان حزب الرابطة يدور حوله، والقائد الزعيم الذي كان المسلمون يتطلعون إليه، وهكذا نجح هذا الزعيم القادر، وحوله القلوب المطمئنة المؤمنة، في تحقيق هذا الحلم الجميل.
وقد أطلق على الدولة الجديدة اسم باكستان لأن باكستان معناها أرض الطهر. ولكن الكلمة ترمز إلى جانب ذلك إلى الولايات المختلفة التي تتكون منها هذه البلاد؛ فحرف (ب) يرمز إلى بنجاب، وحرف (ا) يرمز إلى الباتان، وحرف (ك) يرمز إلى كشمير وإن كانت لا تزال معلقة المصير، وحرف (س) يرمز إلى سند. أما كلمة ستان فمعناها دولة.
وباكستان هي حقا بلاد الجد والفضيلة والنهضة، وقد نشأ أهلها على حب مصر والمصريين، وهم يحرصون كل الحرص على علاقتهم الودية بمصر ويودون لو زاد المصريون من توثيق علاقاتهم بباكستان. ولا أزال أذكر كيف أنني في أول ليلة من وصولنا إلى كراتشي خرجت مع الزملاء من الفندق نلتمس مكانا نقضي فيه السهرة أو بعض الوقت، فسرنا على أقدامنا مسافة طويلة ولم نجد شيئا، ثم عدنا في النهاية إلى الفندق ليقضي كل منا السهرة في حجرته، كانت الأضواء قد سلطت على المتاجر الكبيرة لتعرض بعض مصنوعات باكستان الناهضة لا ليعلن عن الملاهي أو دور السينما أو المشارب.
وقد قامت الباكستان لا لتكون غاية وإنما لكي تكون وسيلة تستهدف المساهمة مع بقية شعوب العالم في إقرار السلام وإشاعة الطمأنينة.
وقد جاهدت منذ أول يوم ارتفع فيه صوتها في المحافل الدولية في الدفاع عن الأمم الضعيفة والمظلومة، وليس ذلك غريبا على دولة تأسست لنشر العدل والطمأنينة بين رعاياها بعد طول ما قاسوا من ظلم واضطهاد.
ولكن هذا لا يمنع من القول إن الحياة في كراتشي عاصمة باكستان لا تكاد تختلف عن الحياة في أية عاصمة أخرى من العواصم الغربية، وإنه يمكن لمن يريد أن يجد فيها المتع التي يجدها في العواصم الأخرى.
Página desconocida