165

La Visión

التبصرة

Editorial

دار الكتب العلمية

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

Ubicación del editor

بيروت - لبنان

قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَتُنَادِيهِ فَلا يَسْمَعُ، فَنَادَتْهُ يَوْمًا: أَيُّهَا الْعَزِيزُ سُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ الْعَبِيدَ بِالطَّاعَةِ مُلُوكًا وَجَعَلَ الْمُلُوكَ بِالْمَعْصِيَةِ عَبِيدًا! فَسَمِعَهَا فَبَكَى وَقَالَ لِفَتَاهُ: انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْعَجُوزِ إِلَى الدَّارِ وَاقْضِ لَهَا كُلَّ حَاجَةٍ. فَقَالَ لَهَا الْغُلامُ: مَا حَاجَاتُكَ يَا عَجُوزُ؟ فَقَالَتْ: حَاجَتِي مُحَرَّمَةٌ أَنْ يَقْضِيَهَا غَيْرُ يُوسُفَ. فَلَمَّا جَاءَ يُوسُفُ قَالَ: مَنْ أَنْتِ يَا عَجُوزُ؟ فَقَالَتْ: أَنَا زُلَيْخَا. قَالَ: مَا فَعَلَ حُسْنُكِ وَجَمَالُكِ؟ قَالَتْ ذَهَبَ بِهِ الَّذِي أَذْهَبَ ذُلَّكَ وَمَسْكَنَتَكَ. فَقَالَ: يَا زُلَيْخَا عِنْدِي قَضَاءُ ثَلاثِ حَوَائِجَ فَسَلِي، فَوَحَقِّ شَيْبَةِ إِبْرَاهِيمَ لأَقْضِيَنَّهَا. فَقَالَتْ: حَاجَتِي الأُولَى
أن تدعوا اللَّهَ لِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ بَصَرِي وَشَبَابِي. فَدَعَا لَهَا، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا وَشَبَابَهَا، ثُمَّ قَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ حُسْنِي كَمَا كَانَ. فَدَعَا لَهَا، فَرَدَّ عَلَيْهَا حُسْنَهَا وَزِيدَ فِيهِ. فَصَارَتْ كَأَنَّهَا بِنْتُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَةَ سَنَةً وَكَانَ لَهَا مِنَ الْعُمْرِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً. فَقَالَتْ وَحَاجَتِي الثَّانِيَةُ أَنْ تَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَغْفِرَ لِي مَا كَانَ مِنِّي. وَحَاجَتِي الثَّالِثَةُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِي. فَتَزَوَّجَ بِهَا فَأَصَابَهَا بِكْرًا وَأَوْلَدَهَا اثْنَيْ عَشَرَ وَلَدًا. ذَكَرَ هَذَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِي وَغَيْرُهُ عَنْ وَهْبٍ.
وَأَقَامَ يَعْقُوبُ عِنْدَ يُوسُفَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أَهْنَإِ عَيْشٍ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَى إِلَى يُوسُفَ أَنْ يَحْمِلَهُ إِلَى الشَّامِ حَتَّى يَدْفِنَهُ عِنْدَ أَبِيهِ إِسْحَاقَ، فَفَعَلَ.
ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ ﵇ رَأَى أَنَّ أمره قد تم فقال: ﴿توفني مسلما﴾ وَأَوْصَى إِلَى يَهُوذَا.
فَتَلَمَّحُوا عُلُوَّ قَدْرِ يَعْقُوبَ بِبَلائِهِ وَعِزَّ يُوسُفَ فِي صَبْرِهِ، وَلْيَكُنْ حَظُّكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فإن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾ .
وَلْيَتَفَكَّرِ الْعَاصِي فِي لَذَّاتٍ فَنِيَتْ وَتَبِعَاتٍ بَقِيَتْ، وَلْيَتَدَبَّرِ الصَّابِرُ لَذَّةَ مَدِيحَةٍ ثَبَتَتْ وَمَرَارَةَ مُصَابَرَةٍ خَلَتْ، وَالأَمْرُ بِآخِرِهِ وَلِلْعَوَاقِبِ يَعْمَلُ الْمُتَيَقِّظُ.
رَزَقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ صَبْرًا يَزِينُنَا، وَعِصْمَةً مِنْ هَوَى يَشِينُنَا، إِنَّهُ إِنْ فَعَلَ سَلِمَتْ دُنْيَانَا وَدِينُنَا، إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

1 / 185