La Visión
التبصرة
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
Ubicación del editor
بيروت - لبنان
فَبَقِيَ مَسْجُونًا إِلَى حِينِ مَنَامِ الْمَلَكِ، فَلَمَّا أَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ مِصْرَ، فَجَمَعَ الأَقْوَاتَ فِي زَمَنِ الرَّخَاءِ وَبَاعَ فِي زَمَنِ الْقَحْطِ، فَرُوِيَ أَنَّهُ بَاعَ مَكُّوكَ بُرٍّ بِمَكُّوكِ دُرٍّ، وَبَاعَ أَهْلُ مِصْرَ بِأَمْوَالِهِمْ وَحُلِيِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَعَقَارِهِمْ وَعَبِيدِهِمْ، ثُمَّ بِأَوْلادِهِمْ ثُمَّ بِرِقَابِهِمْ، ثم قال: إني قد أعتقهم وَرَدَدْتُ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ.
وَكَانَ يُوُسفُ ﵇ لا يَشْبَعُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَيَقُولُ: أَخَافُ أَنْ أَنْسَى الْجَائِعَ! وَبَلَغَ الْقَحْطُ إِلَى كَنْعَانَ فَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ وَلَدَهُ لِلْمِيرَةِ، وَقَالَ: يَا بَنِيَّ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بِمِصْرَ مَلِكًا صَالِحًا فَانْطَلِقُوا إِلَيْهِ فَأَقْرِئُوهُ مِنِّي السَّلامَ. فَمَضَوْا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَأَنْكَرُوهُ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُمْ؟ فَقَالُوا: مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ، وَلَنَا شَيْخٌ يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ، وَهُو يُقْرِئُكَ السَّلامَ. فَبَكَى وَعَصَرَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: لَعَلَّكُمْ جَوَاسِيسُ. فَقَالُوا: لا وَاللَّهِ. قَالَ: فَكَمْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: أَحَدَ عَشَرَ، وَكُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ، فَأَكَلَ أَحَدَنَا الذِّئْبُ. فَقَالَ ائْتُونِي بِأَخِيكُمُ الَّذِي مِنْ أَبِيكُمْ. ثُمَّ دَرَجَ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ. فَعَادُوا إِلَى أَبِيهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ. فَقَالَ يَعْقُوبُ: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ على أخيه من قبل؟! ثم حمله احتياجه إلى الطَّعَامَ إِلَى أَنْ أَرْسَلَهُ مَعَهُمْ.
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ أَجْلَسَ كُلَّ اثْنَيْنِ عَلَى مَائِدَةٍ، فَبَقِيَ بِنْيَامِينُ وَحِيدًا يَبْكِي، وَقَالَ: لَوْ كَانَ أَخِي حَيًّا لأَجْلَسَنِي مَعَهُ! فَضَمَّهُ يُوسُفُ إِلَيْهِ وَقَالَ: أُتُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَخَاكَ؟ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ وَمَنْ يَجِدُ أَخًا مِثْلَكَ، وَلَكِنْ لَمْ يَلِدْكَ يَعْقُوبُ وَلا رَاحِيلُ. فَبَكَى يُوسُفُ وَقَامَ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ وَقَالَ أَنَا أَخُوكَ. ثُمَّ احْتَالَ عَلَيْهِ فَوَضَعَ الصَّاعَ فِي رَحْلِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى خَلاصِهِ أَقَامَ يَهُوذَا وَرَجَعُوا إِلَى يعقوب يقولون إن ابنك سرق. فَتَلَقَّاهُمْ بِصَبْرٍ جَمِيلٍ وَانْفَرَدَ بِحُزْنِهِ.
قَالَ الْحَسَنُ: مَا فَارَقَهُ الْحُزْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَمَا جَفَّتْ عَيْنَاهُ، وَمَا أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ.
ثُمَّ إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ لَقِيَ يَعْقُوبَ فَسَأَلَهُ: هَلْ قَبَضْتَ رُوحَ يُوسُفَ؟ قَالَ: لا.
1 / 183