Física en la Teología: del Pasado al Futuro
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Géneros
إذن فهل الحضارة الإسلامية المنشودة تواصلية إطلاقا بينما الحضارة الغربية انقطاعية بتاتا؟ أم أن الحضارة الإسلامية العربية أكثر تواصلا والحضارة الغربية أكثر انقطاعا؟
نحسب أن البديل الثاني أقرب إلى الصواب، لعل الحضارة الغربية أتت بأوسع وأجرأ ممارسة للقطيعة خصوصا في قطيعة العلم الكبرى مع الأرسطية القروسطية، ولكن ليس صحيحا أنها قامت على انقطاع مطلق إطلاقا بائنا، فالنهضة - أي نهضة - لا تتأتى إلا عبر تواصلية بدرجة ما، بتعبير عابد الجابري «عبر آلية الانتظام في تراث».
24
وقد كانت النهضة الإسلامية الأولى التي حققها ظهور الإسلام تواصلا وانتظاما في التراث الحنيفي ملة إبراهيم، ولا ينفي هذا أن القرآن الكريم فعل توحيد فذ ومتفرد، والنهضة الأوروبية لم تتأت إلا في أعقاب الإحياء والتواصل مع التراث الكلاسيكي، اليوناني والروماني.
إذن فالحرص على عامل التواصل الحضاري ليس بدعا، لا هو إبداع ولا هو بدعة، بل هو تكثيف وتركيز على آلية من آليات النهوض لتتميز حضارتنا الحديثة بأنها أكثر الحضارات استغلالا لهذا التواصل في صون مقومات شخصية حضارية متميزة، شريطة أن تكون قادرة على النماء والتطور ... على الانطلاق نحو المستقبل. (4) القطيعة المعرفية ... في علم الكلام الجديد
وكما وقفنا على قدر التواصلية في الحضارة الغربية لا ينفي تميزها بالانقطاع، يمكن بالتالي أن نطالب بقدر من الانقطاعية في أيديولوجيتنا العربية الإسلامية، لا ينفي تميزها بالتواصلية التي ترتد في استمرارية علم الكلام الذي نرومه منطلقا من الماضي إلى المستقبل، من أجل هذه الاستمرارية وفي سياقها يكون تشغيل القطيعة بوصفها آلية من آليات العقل المعرفي ، ومن المعاملات الجوهرية لتوالي جهوده.
ولنعد إلى ما انتهينا إليه، إلى أن القطيعة المعرفية - وليس الانسلاخ الحضاري - لا تعني المحور والإلغاء وإفناء الماضي، ليكون البدء المطلق والمستحيل معرفيا وليس ورائي شيء البتة ... كما بدأ إنسان نياندرتال أو كما بدأ آدم ... كلا بالطبع وبالقطع، القطيعة المعرفية أن أبدأ درجة أعلى ليست تكرارية ولا إضافية كمية، بل هي حلقة جديدة في سلسلة التقدم المتوالية، لم أصل إليها إلا بعد الحلقات السابقات. فترفض القطيعة - بوصفها مقولة إبستمولوجية مجدية وفعالة - فكرة الانسلاخ والافتراق البائن الذي يقطع جذوره في كل ماض، ويبحث عن مستقبل هائم بقفز ووثب لا يصنع حضارة ولا يقيم نهضة.
وكانت القطيعة المعرفية قد رفضت أولا الاتصال الآلي والتراكم الميكانيكي، وهو أعلى صورة للحركة يستطيعها اليمين الثبوتي الذي يجعل الحضارة امتدادا صرفا للماضي؛ ليخلص في النهاية إلى تماثلهما كيفا وإن اختلفا كما. إن القطيعة - كما أوضحنا - مركب جدلي من الاتصال/الانفصال، المنبثق عن جدلية الاستيعاب/التجاوز، فنستطيع أن ننفض اليد من مرحلة انتهت ونحط الرحال على مرحلة جديدة بكل أبعاد الجدة والحداثة، فنواجه إشكاليات جديدة، ونتكفل بمهام مستحدثة.
على هذا نجد قطيعة معرفية بين علم الكلام القديم الآتي من الماضي وعلم الكلام الجديد المنطلق نحو المستقبل، نجد تسويغها وإعلانها وتبيانها في أن الهدف من علم الكلام القديم - كما هو معروف - والغاية التي كان يجتهد كي يصل إليها هي إثبات العقيدة، وقد تم حسم هذه القضية وانتهى زمان، أو على الأقل، خطر اللجاج فيها من قبل العقائد المخالفة، والآن «ليس الخوف على التوحيد من الشرك، بل الخوف عليه من العجز والموت والصورية، بقاء المثال بلا تحقيق وبقاء الوضع القائم بلا تغيير.»
25
Página desconocida