La naturaleza y lo sobrenatural: la materia, la vida, Dios
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Géneros
تفسير الحرية يجب أن يطلب في الفرق بين الخير الجزئي المحرك للإرادة، والخير الكلي المدرك من العقل: ذلك أننا لا نفعل بالضرورة إلا إذا عرض علينا موضوع معادل لكفايتنا، أي خير كلي مطلق ، فإننا حينئذ نقصد إليه بلا منازع وبكل قوتنا؛ لأننا نجد فيه الموضوع التام لإرادتنا الكفء لأن يرضي ميلنا تمام الرضى؛ لكنا في هذه الحياة الدنيا لا نصادف سوى خيرات جزئية، أو معروضة على نحو جزئي: فالشهوة تغري الحس وترضيه، فهي خير من هذا الوجه، ولكنها تجر وراءها أملا وخسارة ومهانة، وتنزل بالإنسان إلى درك البهيمة، فهي شر من هذا الوجه؛ وللفضيلة علاقة لازمة بالسعادة الحقة، فهي إذن خير حقيقي، ولكن الحس لا يستلذها، فهي شر من هذا الوجه؛ والله نفسه، وهو الخير بالذات، غير معلوم لنا إلا بعلم استدلالي غير مطابق له، فكأنه خير جزئي، بل يمكن اعتباره شرا من حيث هو ينهى عن اللذة وأن محبته لا تتفق مع محبة اللذة.
لذا لا يوجد في هذه الحياة «داع أقوى» على حد تعبير ليبنتز، فإن الدواعي جميعا متساوية في البعد عن الخير الكلي الذي هو الموضوع التام للإرادة؛ وما الداعي الأقوى سوى ذلك الذي نرجحه فنمنحه القوة باختيارنا إياه؛ فإننا إذا نظرنا في الموضوعات الجزئية أو المعروضة على نحو جزئي لم نستطع أن نصدر حكما جازما بشأنها: أتطلب لما فيها من خير، أم تنبذ لما فيها من عدم خير؟ وهذا أساس التردد بين خيرين مختلفين، واستبقاء حريتنا سليمة.
وبعبارة أخرى إن تعليق حكم العقل هو الأصل في الحرية، ويعلق العقل حكمه لما في الخيرات من نقص يصرف الإرادة عنها، ويدع الطريق مفتوحة للاختيار. وإنما نخرج من التردد ونختار بالاتجاه إلى طرف من الاثنين، وحينئذ نحكم بأن الموضوع - منظورا إليه في خيريته ومنفعته - حقيق بالاشتهاء.
من هذا الموقف عينه يفسر إمكان الخطيئة، ويصحح رأي في الحرية لبعض أنصارها، فيتبين مبلغ أهمية العقل في وظيفة الإرادة. الأصل في إمكان الخطيئة عدم نظر العقل إلى القانون الواجب على الإرادة اتباعه؛ وعدم النظر هذا لا وجود صرف، فهو في ذاته عدم خير وعدم شر؛ ثم يصير شرا أو خطيئة بالعزم على الفعل دون نظر إلى القانون. إن الإرادة الحرة قابلة بالطبع للميل إلى إحدى جهتين، وإمكان الاختيار ينطوي طبعا على إمكان إساءة الاختيار. فالنظر إلى القانون (الخلقي) في علوه على الشهوة ضروري لاختياره دونها.
أما أنصار الحرية الذين يخطئون في تصورها، وفي مقدمتهم ديكارت؛ فرأيهم فيها أن الإرادة يمكن أن تختار دون راع أو باعث، أو مع تساوي الأسباب، مثلما يخطر لي أن أخرج للنزهة وألا أخرج، فأختار واحدا من هذين الطرفين بمحض الاعتساف. ولكن ليست الإرادة قوة عمياء، وليست الحرية ضربا من الهوى؛ إنا نعزم أحيانا تبعا للهوى والاعتساف؛ لأنا نتخذ من الهوى نفسه سببا، وأحيانا أخرى نختار بين سببين متساويين ولدينا أيضا سبب هو الرغبة في الخروج من التردد وتلبية داعي العمل؛ ومن غير المفهوم أصلا العزم في غيبته كل سبب. وقد دعوا هذه الحرية «حرية عدم الاكتراث
Liberté d’indifférence »، أي: حرية التوازن بين الدواعي والبواعث؛ وحرية التوازن هذه تلقائية عمياء لا اختيار حر، فإن الاختيار يجب أن يكون مسببا واقعا على خير معلوم. هل يريد أحد الشر؟ أو هل يستهدف أحد للشر؟ كلا، فإن الحرية خاصية العاقل، وهي خاصيته دون الموجودات غير العاقلة.
وإذا كان العاقل حرا حين يضاهي بين الخيرات الجزئية ومطلق الخير، فإن حريته أظهر وأروع حين يرجع إلى نفسه فيطالع فيها دستورا مباينا لميوله الحسية، فيؤثره على هذه الميول مهما يكن هذا الإيثار مؤلما ضارا بشئون هذه الحياة. في هذا الدستور أن مطلق الخير - الذي هو معنى كلي مثير في النفس ميلا عاما - هو الأصل والأساس لكل ميل جزئي؛ وأنه الخير المطلق الذي يتشخص فيه ذلك المعنى، وتتحقق السعادة القصوى بالإخلاص لإراداته البادية في الطبيعة، والاتحاد به اتحاد معرفة ومحبة. فإذا تشككنا في الحرية لم نفهم واجب الإخلاص؛ إذ إن الواجب لا يقال إلا لمن يقدر أن يضعه باختيار؛ ولم نفهم التبعة؛ لأنها لا تقع إلا على الفاعل بملء اختياره. ولم نفهم وصفنا للأشياء والأفعال بالحسن أو بالسوء، وهما لا يقالان للإرادة المضطرة؛ ولم نفهم أمرا من الأمور التي هي ميزة الإنسان في حياته الفردية والاجتماعية. هذه الأمور معان ومثل غير محسوسة، فوجودها في النفس ووجوبها القاطع يقضيان بوجود الإرادة، وبأنها قوة روحية كما قدمنا، وبأننا حين نعمل عن تصور صادق لغاية الحياة، وللوسائل المؤدية إليها التي هي الفضائل، تظهر قوتنا الفاعلية بأشد وضوح، إذ إننا حينئذ نصدر عن أنفسنا، أي عن دواع عالية على الحس، أخص بطبيعتنا من بواعث الحس، بالرغم من معارضة هذه البواعث وإغراء الأسباب الخارجية. في حين أن الشهوة وما يتصل بها من لذة جسمية تسترق النفس فتنتقص من شخصيتنا ومن حريتنا ومن كرامتنا. إن رجل الشهوة يختار بين خيرات محسوسة فلا تكاد تبين حريته، ورجل الواجب رب فعله، لا يفوق في ذلك سوى فعل الربوبية بالذات جل جلالها. (4) الجبرية
هذه الاعتراضات على الحرية تؤلف القسم السلبي من المذهب الجبري. يبقى أن نعرض للقسم الإيجابي الذي هو مبدأ المذهب، فنستكمل الرد عليه ودعم إثبات الإمكان في الطبيعة. وأعم فكرة يستندون عليها فكرة «العلم» التي تجعل من الوجود مجموع علل ومعلولات مترابطة ترابطا ضروريا، وينتج منها أن الإنسان آلة، إما آلة مادية خاضعة لمختلف التأثيرات الخارجية والداخلية كما يقرر الماديون، وإما آلة روحية
automate spirituel
على حد قول ليبنتز، وكثيرا ما يقولون: إن افتراض علل حرة يتهدد النظام الطبيعي بالاضطراب والانهيار ويقضي على كيان العلم؛ إذ إنه لا ينهض إلا بتصور الطبيعة كلا متفاعل الأجزاء ثابت القوانين كما يبدو لأول نظرة نلقيها عليه.
Página desconocida