Tabaqat
طبقات مشاهير الدمشقيين من أهل القرن الرابع عشر الهجري
Géneros
ولد سنة (1251) بدمشق، ونشأ في حجر والده نخبة الأفاضل الشيخ حامد العطار، وحفظ القرآن عن ظهر قلب، وجود على شيخنا مقرئ الشام الشيخ أحمد الحلواني، وحفظه والده المنوه به «الأربعين النووية» فاستظهرها، وأسمعه «الأربعين العجلونية» مع جماعة. وأجاز له إجازة عامة . ولما هم والده بالحج سنة (1262) استصحبه معه، ثم لما توفي منصرفه من الحج في القطرانة قرب معان، كما سلف في ترجمته 2، حضر شيخنا مع حاشية والده إلى دمشق، وأخذ بالجد في الطلب، وحفظ كثيرا من المتون في فنون متنوعة، فحضر في الفقه على شافعي وقته الشيخ عبد الرحمن الطيبي من أقران والده، وقرأ على الفاضل البارع هاشم التاجي البعلي، وحضر على الشيخ عبد الله الحلبي في «البخاري» وقرأ على العلامة الشيخ حسن البيطار طرفا من النحو والحديث، وعلى العلامة الشيخ حسن الشطي الحنبلي «صحيح البخاري» والفرائض، وأخذ النحو على الأستاذ الشيخ عبد الرحمن با يزيد، وكان انفرد بفن النحو، واشتهر باستحضار قواعده وشواهده، وقرأ على الصوفي الصالح الشيخ محمد العاني جانبا من فن التوحيد، وحضر مجالس ذكره في داره ولازمه، وقرأ في الفقه أيضا على الفاضل الشيخ أحمد المنير إمام الشافعية بالأموي، وحضر بعض كتب الحديث عند السيد عمر أفندي الغزي وأجاز له، وقرأ على العلامة الرحالة الشيخ أكرم الأفغاني عام قدومه لدمشق طرفا من المنطق وغيره، ولازم إمام المعقول العلامة ملا داود الكردي النقشبندي نزيل جامع الورد بدمشق فحضره في «الجامي» وحواشيه، و«الشمسية» وحواشيها، وأشهر كتب المنطق والصرف، وغير ذلك، وحضر في المعاني والبيان على شيخنا ابن أخيه القائم مقام أبيه الشيخ سليم العطار، وأعاد له درسه في التكية السليمانية شهري رجب وشعبان سنين، ثم تركه، وقرأ على العلامة السيد مصطفى المغربي الجزائري ثم الدمشقي جانبا من فن العربية، واستجاز من العلامة الشيخ محمد التميمي، وأسمعه حديث الرحمة المسلسل بالأولية بأولية حقيقية، ومن الشيخ داود البغدادي، وكانا قدما إلى دمشق، وجد واجتهد في الأخذ والحفظ والتلقي والمطالعة والمذاكرة وحفظ الوقت للإفادة والاستفادة، وتصدى للإقراء بإذن شيوخه، حتى نما فضله، واشتهر صيته، وأضحى من المنوه بهم، واشتهر بحسن التفهيم وجودة التعليم، فأكبت الطلبة عليه ولزمته، وانتفع به من لا يحصى، وأخذت الطلبة في الإقبال عليه سيما أوقات امتحان طلبة العلم الذين أصابتهم القرعة العسكرية، فقد كان المرجع لهم في الكتب التي يمتحنون منها، وفي عويصات المسائل التي يسألون عنها، وانفرد باستحضار الدقائق المنطقية والصرفية والنحوية والفقهية وحفظها والكشف عنها انفرادا لم يشاركه فيه أحد من أقرانه فيما أعلم، لقوة ملكته وذكائه، وغور فهمه، [و] كان يقرأ مثل حواشي العصام على «الجامي» وحواشي «الشمسية» وشروحها، و«حواشي الفناري» و«حواشي النتائج» و«المغني» وشروح «الشافية» ومثل «التحفة» في الفقه الشافعي، بلا مطالعة متقدمة، بل يدرك غورها ومالها وما عليها بمجرد مروره عليها أول وهلة، مما لم أره لغيره من أقرانه. وانفرد أيضا بحفظ كثير من الأوراد المأثورة وغيرها، فقد كان يلازم تلاوتها صباحا ومساء. ويتلوها صباحا بعد الفجر أمام المقام اليحيوي بالجامع الأموي. وفي سنة (1262) قدم لدمشق السيد محمد علي أفندي الكيلاني مفتي حماه، فلقنه الذكر، وأجازه بالأوراد القادرية، وألبسه تاجا، ولم يزل يتعمم التاج منفردا عن أقرانه بذلك محافظة على العهد. وكان له في داره ميعاد ذكر ليلة السبت بعد العشاء يجتمع عنده لفيف من الفقراء وأهل الذكر، وقصد لعمل التهاليل في دمشق، فقل أن يمضي شهر إلا وعنده تهليلة أو أكثر. وكان يصنع تهليلة لوالده سنوية في الليلة السادسة من شهر صفر يدعو إليها علماء الشام وأعيانها وسواهم، فيغدو المجمع في داره حافلا جدا. وكان قدس سره متوددا إلى الكافة، لطيف الأخلاق، متواضعا، بشوشا، سليم الصدر، لين العركة، سهل الانقياد، محببا إلى الجميع، سخيا سخاء جبليا، مضيافا، يلاطف الكبير والصغير، ويعاشر طلبته ويحادثهم ويحادثونه، يحفظ أخبار الطبقة المتقدمة وما جرياتها، منقطعا للإفادة والتعليم. وبلغت دروسه عشرة في اليوم والليلة. وربما أقرأ قبل طلوع الشمس وأقرأ كثيرا بعد العشاء في الليالي الطويلة. وحضرته سنة من السنين وقتئذ وله درس عام بين العشائين في الأموي درس فيه كثيرا من الحديث والتفسير وغيرهما.
Página 94