12
وقد شبهوا الفلسفة ببستان؛ المنطق سوره، والطبيعيات أشجاره، والأخلاق ثمره. وشبهها البعض بالمدينة المحصنة؛ المنطق حصونها، والطبيعة سكانها، والأخلاق دستورها. والبعض شبهها بالبيضة؛ المنطق قشرتها، والطبيعة بياضها، والأخلاق محها (صفارها). وجملة القول أن التراتب الذي وضعه الرواقيون للفلسفة، سواء في التعليم أو في التصنيف، هو الذي يصعد من الأدنى إلى الأرفع؛ فيبدأ بالمنطق، ويصعد إلى الطبيعة، وينتهي إلى الأخلاق؛ ذروة الفلسفة وثمرتها وغايتها.
المنطق الرواقي
أخذ الرواقيون بالمذهب الحسي في نظرية المعرفة: «لا شيء في الذهن ما لم يكن قبل ذلك في الحس.»
13
ويشبهون، مثل أرسطو من قبل، الذهن قبل ورود الإحساسات عليه بالصحائف البيضاء التي لم ينقش عليها شيء؛ فالإدراك الحسي هو المصدر الأساسي للمعرفة، وخداع الحواس إنما هو في حقيقة الأمر «حكم»
judgement
زائف، وبالإمكان تلافيه بقليل من التحوط.
وإلى جانب الإدراك الحسي أخذ الرواقيون بما يعرف ب «المعاني الأولية» أو «الأفكار الفطرية» أو «الأوليات»؛ ذلك أن المنطق اليوناني الاستنباطي، وكذلك البحث العلمي بعامة، يثير مشكلة المقدمات الأولى؛ فالمقدمات الأولى ينبغي أن تكون عامة (على الأقل جزئيا)، وليس ثمة طريقة لإثباتها. ذهب الرواقيون إلى أن ثمة مبادئ معينة واضحة بذاتها ويسلم بها البشر جميعا، يمكن أن توضع، شأن الهندسة الإقليدية، كأساس للاستنباط. يمكن للأفكار الفطرية كذلك أن توضع كنقاط بدء للتعريفات. وقد ظلت هذه الوجهة من الرأي سائدة طوال العصور الوسطى، وأخذ بها بعض أصحاب المذهب العقلي من المحدثين؛ فهي تعد حجر الأساس، من الوجهة الميتافيزيقية، في المنهج الديكارتي.
14
Página desconocida