قدني يا زيوس، وأنت أيها القدر،
إلى حيثما رسمتما لي الطريق؛
فأنا متبعكما دون تردد، وحتى لو أخذني الارتياب،
فتثاقلت وتملصت، فلن أكون مع ذلك أقل متابعة لكما.
أما خريسبوس
Chrysippus (280-207ق.م)، الذي خلف كليانتس على الرواق، فكان أغزر الرواقيين إنتاجا وأقدرهم على الجدل. ولد في مدينة صول بقبرص، وتولى إدارة الرواق فكان مجتهدا دءوبا دقيقا في مواعيد دروسه. وكان واسع الاطلاع دائب التأليف فكتب في المنطق والطبيعيات والأخلاقيات، ويقال إنه كتب نيفا وسبعمائة كتاب، لم يبق منها إلا شذور قصيرة. يعد خريسبوس أول من قدم عرضا منهجيا مترابطا للرواقية، وبفضله أصبحت الرواقية فلسفة مكتملة الأركان واضحة المعالم، حتى قيل بحق إنه «لولا خريسبوس لما كان الرواق.» وهو المؤسس الحقيقي للمنطق الرواقي والسيكولوجيا الرواقية. ويقول شيشرون إن خريسبوس هو صاحب النظرية التي يفرق فيها بين العلل الأولى والعلل الثانية، ليوفق بين نظرية القضاء والقدر وبين فكرة المسئولية والحرية الأخلاقية.
9
ويقال إنه ذهب إلى أن الإله لا دخل له في إحداث الشر، وإن كنا لا نعرف كيف أمكنه أن يوفق بين ذلك وبين مذهب الحتمية. وفي موضع آخر يتعامل خريسبوس مع مشكلة الشر على طريقة هيراقليطس قائلا: إن الأضداد يتضمن أحدها الآخر، وإن الخير بدون الشر مستحيل منطقيا؛ فوجود الخير يتطلب بالضرورة وجود الشر. ومما يؤثر عن خريسبوس قوله إن الإنسان الصالح سعيد دائما والشرير غير سعيد، وتشدده في مسألة «الأشياء الأسواء أو غير الفارقة»
indifferentia
التي ليست خيرا ولا شرا، كالحياة والموت واللذة والألم والصحة والمرض والغنى والفقر ... إلخ، وكذلك فكرته عن الجماعة العقلية الروحية التي تقول بأن الفيلسوف لا وطن له أو أن وطنه هو العالم كله، وتأكيده على أهمية دراسة المنطق باعتبارها ركنا أساسيا للرواقية، وعدم تسامحه في ذلك شأن غيره من الرواقيين الذين جعلوا للأخلاق الصدارة المطلقة على المنطق.
Página desconocida