27 (8-60) يتحرك السهم بطريقة، ويتحرك العقل بطريقة أخرى. ومع ذلك فإن العقل، حتى عندما يمارس الحيطة أو يدور حول بحث معين، إنما يتحرك بنفس الاستقامة، ويمضي قدما إلى هدفه. (8-61) انفذ إلى العقل الموجه لكل إنسان، ودع كل إنسان ينفذ إلى عقلك الموجه.
28
الكتاب التاسع
(9-1) الظلم إثم. فإذا كانت طبيعة العالم قد فطرت الكائنات العاقلة من أجل بعضهم البعض وعلى أن يعين بعضهم بعضا وفق ما يستحق، لا أن يؤذيه بأي شكل من الأشكال؛ فإن من يتعدى على إرادتها فهو مذنب على نحو واضح تجاه أكبر الآلهة؛ ذلك أن طبيعة العالم هي طبيعة الواقع النهائي الذي ينتمي إليه كل وجود راهن.
الكذب أيضا إثم تجاه نفس الإلهة. إن اسمها «الحق»
Aletheia = Veritas ، وهي السبب الأصلي لكل ما هو حق. إن من يكذب عن عمد فهو آثم بقدر ما يسببه كذبه من ظلم، ومن يكذب بلا عمد آثم بقدر ما هو خارج عن التناغم مع طبيعة «الكل» وبقدر ما يربك النظام بمناوأته لطبيعة العالم. وهو مناوئ حين يسمح لنفسه أن تمضي ضد الحقيقة؛ فلقد وهبته الطبيعة قدرة أهملها فلم يعد قادرا على التمييز بين الحق والباطل.
كما أن السعي إلى اللذة على أنها خير وتجنب الألم على أنه شر يمثل إثما ؛ فمن يفعل ذلك قمين أن يتبرم بطبيعة العالم للتوزيع غير العادل بين الأشرار والأخيار ما دام شرار الناس كثيرا ما يتقلبون في اللذات والممتلكات التي توفر اللذة بينما نصيب الأخيار في الأغلب هو الألم والأحوال التي تورث الألم.
كذلك من شأن من يخشى الألم أن يخشى أحيانا بعض الأشياء التي ستقع في العالم، وهذا إثم مباشر. ومن شأن من يقتفي اللذة ألا يقلع عن الظلم - وهو إثم مبين. أما الذين يريدون أن يتبعوا الطبيعة ويشاركوا في عقل الطبيعة فيجب أن يكونوا هم أنفسهم غير مكترثين بتلك الأزواج من الأضداد التي لا تكترث لها طبيعة العالم؛ فما كانت الطبيعة لتخلق هذه الأضداد لو لم تكن غير مكترثة بأي منها؛ لذا فإن كل من يكترث بالألم واللذة، الحياة والموت، الشهرة والخمول - تلك الأشياء التي تعاملها الطبيعة بعدم اكتراث - إنما يرتكب إثما على نحو قاطع.
وحين أقول «طبيعة العالم تعامل هذه الأشياء بعدم اكتراث» فإنما أعني أن هذه الأشياء تحدث بدون تحيز بواسطة السبب والنتيجة لكل ما يأتي إلى الوجود وتدين بوجودها لتحقق دفعة أصلية من «العناية». تحت هذه الدفعة شرعت العناية من مقدمة أولى لتؤسس النظام الحالي للعالم. لقد ارتأت مبادئ معينة لما سيكون وحددت قوى مولدة لكي تخلق المواد والتحولات والتجدد المتعاقب. (9-2) أسعد الحظ كله أن تغادر الناس ولم تعرف قط طعم الكذب ولا الرياء ولا الأبهة ولا الغرور. ويلي هذه الرحلة في السعد أن تغثى، على الأقل، من هذه الأشياء قبل أن تلفظ آخر أنفاسك. أم تراك تفضل أن تبقى مقيما مع الخبث، ولم تقنعك الخبرة أن تنأى عن هذا الوباء؟ ذلك أن فساد العقل وباء أشد وأنكى من ذلك التلوث الذي يصيب الجو المحيط الذي نتنفسه؛ فهذا ينال الكائنات الحيوانية ويصيبها في طبيعتها الحيوانية. أما ذلك فينال الكائنات الإنسانية ويصيبها في إنسانيتها. (9-3) لا تحتقر الموت، بل رحب به لأنه جزء أيضا مما تريده الطبيعة؛ فمثلما نشب ونشيخ، ومثلما نكبر وننضج، وتنمو أسناننا ولحانا وشعرنا الرمادي، ومثلما نتزوج وننجب، كذلك نموت ونتحلل؛ فمن ألف التفكير والتعقل لا يجزع من الموت ولا يبتئس له ولا ينفر منه، بل ينتظره كما ينتظر فعلا من أفعال الطبيعة.
1
Página desconocida