ماذا يعني كل هذا؟ لقد صعدت السفينة، أقلعت، رسوت، فارحل الآن. فإذا كان لحياة أخرى فلن يخلو حتى هذا الشاطئ من الآلهة، وإذا لم يكن هناك أي حياة أو حس فلن تعود تعاني من الآلام واللذات،
8
ولن تعود مستعبدا لوعاء جسدي هو سيد بالغ الدناءة بقدر ما إن عبده بالغ الرفعة؛ فهذا عقل وروح، وذاك مجرد تراب ودم.
9 (3-4) لا تضيع ما تبقى من عمرك في الانشغال بالغير، ما لم يكن ذلك تصلا بوجه ما من أوجه الخير العام. لماذا تجرد نفسك من الوقت من أجل مهمة أخرى؟ أعني أن التفكير حول فلان، ماذا عساه يفعل ولماذا يقول أو يضمر أو يخطط وكل هذا الخط من التفكير، يضل بك عن التأمل الدقيق في عقلك الموجه نفسه.
لا ... عليك أن تجتنب في مسار فكرك كل ما ليس له هدف أو فائدة، وبخاصة كل ما هو فضولي خبيث. رض نفسك على ألا تجيل بخاطرك إلا تلك الأفكار التي بوسعك إن سئلت فجأة: «فيم تفكر الآن؟» أن تقول لتوك ما هي بصراحة فتكون إجابتك دليلا على أن أفكارك مستقيمة وحسنة وتليق بكائن اجتماعي لا يلقي بالا لخيالات اللذة أو المتع الحسية على الإطلاق، ومبرأ من أي غيرة أو حسد أو شك أو أي شيء يخجل المرء من أن يعترف أنه خطر له.
فإنسان مثل هذا، إذا لم يعد يتنازل عن مكانه بين الصفوة الأخيار، هو أشبه بكاهن وخادم للآلهة، إنه يلبي نداء الألوهة القابعة داخله، والتي تجعل المرء غير ملطخ بالملذات وغير منغص بالآلام، لا تناله الإهانة ولا يعرف الخبث ... مقاتلا في أنبل حرب ... لا يجرفه أي انفعال، متشربا بالعدل حتى النخاع، يتقبل بملء قلبه كل ما يصيبه وكل ما هو مقسوم له، وقلما يتطلع إلى الآخرين ما عساهم يقولون أو يفعلون أو يفكرون؛ فبحسبه ما يكب عليه من عمل لكي يتمه، وبحسبه نصيبه المقدور من «الكل» لكي ينصرف إليه بهمة لا تنقطع. فأما عمله فيتقنه أيما إتقان، وأما نصيبه المقدور فهو قانع به؛ فنصيب كل امرئ هو رفيق رحلته وهو حاديه في آن معا.
وهو يذكر أيضا أن كل كائن عاقل هو قريبه، وأن رعاية جميع البشر هي أمر تقتضيه طبيعة الإنسان. وعلى المرء ألا يتخذ آراء الجميع بل آراء الذين يعيشون وفق الطبيعة فحسب. أما أولئك الذين لا يعيشون كذلك فإنه ليذكر دائما أي صنف من البشر هم في بيوتهم وخارجها، في ليلهم ونهارهم، يذكر ماذا يكونون ومع من يعيشون حياتهم الآثمة؛ وبالتالي فهو يزدري أي إطراء يأتي من مثل هؤلاء، إنهم أناس غير راضين حتى عن أنفسهم.
10 (3-5) لا تفعل شيئا ضد إرادتك، أو دون اعتبار للصالح العام، أو دون روية، أو بدوافع مصطرعة. لا تصغ أفكارك في أسلوب متكلف مبهرج.
11
لا تكن ثرثارا متطفلا، ثم لتكن الألوهة التي داخلك هي حارسة الكائن الذي تكونه؛ كرجل، مسن، سياسي، روماني، حاكم، رجل يقوم بوظيفته مثل جندي رهن إشارة استدعاء من الحياة، ومستعد للذهاب،
Página desconocida