3
أما أنا وقد بصرت بطبيعة الخير وعرفت أنه جميل، وبطبيعة الشر وعرفته قبيحا، وأدركت أن مرتكب الرذائل لا يختلف عني أدنى اختلاف في طبيعته ذاتها - فنحن لا تجمعنا قرابة الدم والعرق فحسب بل قرابة الانتساب إلى نفس العقل ونفس القبس الإلهي - أما أنا وقد بصرت بهذه القرابة فلن يسوءني أي واحد من هؤلاء ولن يعديني بإثمه. وليس لي أن أنقم منه قرابتي أو أسخط عليه؛ فقد خلقنا للتعاون، شأننا شأن القدمين واليدين والجفنين وصفي الأسنان. التشاحن ضد للطبيعة، وضدها، من ثم، العداوة والبغضاء.
4 (2-2) أيا ما كنت فإنني مجبول من قطعة لحم ونفس وعقل موجه. ألق بكتبك وأقلع عن تعطشك إليها ... لا تشتت نفسك ... لات حين
5 ... بل انظر إلى الأمر نظرة المودع الراحل: احتقر الجسد ... إنه دم وعظام ... مجرد نسيج وشبكة من الأعصاب والأوردة والشرايين. وتأمل النفس أيضا ما هو ... إنه هواء، وليته ثابت دائم، إنما هو يزفر كل حين ويشهق مرة ثانية. لم يبق الآن إلا الشطر الثالث: العقل الموجه. لقد بلغت من الكبر عتيا فلا تدع عقلك الموجه يستعبد مرة ثانية؛ لا تحركك نوازع الجسد مثل الدمى تحركها الخيوط،
6
لا تبرم بحاضرك أو توجس من المستقبل. (2-3) أعمال الآلهة مفعمة بالعناية، وأعمال القدر ليست منفصلة عن الطبيعة أو عن النسيج الذي تنسجه العناية. من ذلك تصدر الأشياء جميعا ، إلى جانب مصدرين آخرين هما الضرورة ومصلحة «الكل» الذي أنت جزء منه. على أن كل جزء من الطبيعة يستفيد مما تحدثه طبيعة «الكل» ومن كل ما يحفظ هذه الطبيعة. ونظام العالم تحفظه التغيرات التي تعتور العناصر مثلما تحفظه التغيرات التي تعتور الأشياء المكونة من هذه العناصر،
7
بحسبك هذه المبادئ ولتكن لديك بمثابة مذهب ثابت، وأقلع عن تعطشك للكتب حتى لا تموت محنقا بل تلقى الموت بابتهاج وتسليم وحمد للآلهة من القلب. (2-4) كم ذا تسوف هذا وترجئه، وكم ذا تمنحك الآلهة فرصة فتضيعها. ألم يأن لك أن تفهم هذا العالم الذي أنت جزء منه وتفهم مدبر هذا العالم الذي أنت فيض منه؟ ألا تدرك أن هناك حدا لعمرك، فإذا لم تستغله لتبديد غيومك فسوف يذهب العمر وسوف تذهب ولن تعود الفرصة مرة أخرى؟ (2-5) في كل لحظة من حياتك أول كل انتباهك، كروماني وكإنسان، إلى أن تؤدي المهمة التي بين يديك بتحليل دقيق، ورزانة غير متكلفة، وتعاطف إنساني، وعدالة ونزاهة، وأن تفرغ عقلك من كل أفكاره الأخرى. ولسوف تمنح عقلك انفراجا إذا أديت كل فعل كما لو كان آخر شيء تؤديه في حياتك؛ نافضا عنك روح الإهمال وانعدام الهدف، وكل نفور عنيف من أوامر العقل، وكل رياء وكل أثرة، وكل تبرم من نصيبك المقسوم. أرأيت كم هي قليلة تلك الأشياء التي تلزم المرء لكي يعيش حياة هادئة تقية؟ الآلهة نفسها لا تطلب من المرء أكثر من أن يراعي هذه الأشياء. (2-6) تمادي في إيذاء ذاتك أيتها النفس
8 ... إن هي إلا لحظة ولن يعود لديك متسع لاعتبار ذاتك. الحياة لحظة، ولحظتك الخاصة توشك على النهاية. والسعادة تتعلق على تقدير الذات لذاتها، وما زلت تحرمينها من ذلك وتعلقين سعادتك على الآخرين؛ ذواتهم وآرائهم وتقديراتهم.
9 (2-7) لماذا تشتتك الماجريات الخارجية كل هذا التشتيت؟ أعط نفسك قسطا من الفراغ لكي تتعلم درسا جديدا مفيدا، وكف عن التخبط هنا وهناك. وعليك بعد ذلك أن تحذر ضربا آخر من التخبط. إنه لضرب آخر من الكسل والموات ما يأتيه أولئك الذين يكدحون بلا هدف ويضربون في الأرض بلا وجهة، لا وجهة في الفعل، ولا وجهة، بالأحرى، في القول والتفكير . (2-8) ما كان يوما جهل المرء بما يدور في رءوس الآخرين سببا للتعاسة والشقاء. إنما الشقي من لا ينتبه إلى خطرات عقله هو، ولا يهتدي؛ من ثم، بهديه وإرشاده. (2-9) ضع نصب عينيك دائما هذه الأشياء: ما هي طبيعة «الكل»؟ ما هي طبيعتي الخاصة؟ ما علاقة هذه الطبيعة بتلك؟ أي صنف من الجزء لأي صنف من الكل؟ وأن ليس بإمكان أحد أن يحول بينك وبين أن تقول ما تقول وتعمل ما تعمل وفقا لتلك الطبيعة التي أنت جزء منها. (2-10) في مقارنته بين مختلف الذنوب، تلك المقارنة التي تتفق فيها الفلسفة مع رأي الرجل العادي، يقول ثيوفراسطس
Página desconocida