يفضي الاعتقاد بالكوزموس (الكون الواحد المنظم) إلى الإيمان بالعناية ورفض نظرية التقاء الذرات بالمصادفة التي تقول بها الأبيقورية. لقد كانت الأبيقورية في زمن ماركوس هي الفلسفة المنافسة للرواقية في الاستحواذ على قلوب الشبيبة الرومانية؛ ومن ثم فهو كثيرا ما يضع طبيعياتها (الذرات) كمقابل للطبيعيات الرواقية (الكون المنظم/العناية)، ويفرض على نفسه الاختيار: «... أم تراك ساخطا على ما قسم لك من نصيب في الكل؟ إذن فاذكر أنك مضطر إلى أن تختار؛ فإما عناية مدبرة وإما ذرات عمياء تلتقي كيفما اتفق وتفترق» (4-3). على أنه في بعض الفقرات يخلص إلى نتائج أخلاقية واحدة من المقدمات الرواقية والأبيقورية على السواء، فيستهل القياس بعبارة: «سواء كان الأمر ذرات أو عناية.» ومن ثم فإنه يتيح ل «اللاأدري»
agnosticist
في مجال الطبيعيات أن يكون «رواقيا»
stoicist
في مجال الأخلاق: «الكون لا يخرج عن حالين اثنين: فإما فوضى واضطراب وتشتت (إلى ذرات)، وإما أنه وحدة ونظام وعناية. فإذا صح الافتراض الأول فلماذا أرغب في المكوث في عالم مركب عشوائيا ويعاني من مثل هذا الاختلاط؟ ولماذا أعني نفسي بشيء آخر غير تحول التراب إلى تراب؟ وفيم يخالج نفسي اضطراب؟ فالتناثر سوف يصيبني إذن مهما فعلت. وإذا صح الافتراض الثاني أقدم إجلالي، واقفا ثابتا لا أتزعزع، متوكلا على من بيده تصريف كل الأمور» (6-10). (7) الأشياء اللافارقة
Indifferentia
قلنا إن الرواقيين يذهبون إلى أن الخير الوحيد هو في الفعل العقلاني الفاضل، والشر هو في السلوك الأرذل المنافي للعقل. أما الأشياء الخارجية التي درج الناس على اعتبارها خيرات وشرورا، كالمال والجاه والصحة والمرض والحياة والموت والشهرة والخمول واللذة والألم ... إلخ، فهي أشياء «سواسية» أو «غير فارقة»
Indifferentia ، أي لا يمكنها بذاتها أن تؤثر في العقل الموجه أو الحالة الداخلية للإنسان، وبالتالي فإنها ليست في ذاتها خيرا ولا شرا. «... الموت والحياة، النباهة والخمول، الألم واللذة، الغنى والفقر ... ليست هذه الأشياء في ذاتها حسنة ولا سيئة؛ وبالتالي ليست في ذاتها خيرا ولا شرا» (2-11). «تجمل بالبساطة والتواضع وعدم الاكتراث بما ليس خيرا ولا شرا» (7-31). «عش الحياة على أفضل نحو ممكن، بوسع الروح أن تفعل ذلك إذا كانت غير مكترثة بالأشياء غير الفارقة. وستكون غير مكترثة بهذه الأشياء إذا نظرت إليها ككل وإلى كل منها على حدة، وتذكرت أن لا شيء من هذه الأشياء يصدر حكما عن نفسه أو يفرض نفسه علينا» (11-16).
إن إسباغ قيمة على هذه الأشياء اللافارقة ليس مجرد خطأ في الحكم، بل إن له نتائج عملية وبيلة. «إذا كنت تعدها خيرا أو شرا تلك الأشياء الخارجة عن سيطرتك فسوف يترتب على ذلك بالضرورة أن تتذمر على الآلهة وتبغض البشر كلما أصابك هذا الشر أو كلما فقدت ذلك الخير ... إننا لنرتكب ظلما عظيما باكتراثنا بهذه الأشياء واعتبارها «فارقة». أما إذا قصرنا صفة الخير والشر على ما يقع في نطاق قدرتنا فلن يعود ثمة مبرر لاتهام إله أو لاتخاذ موقف عدائي من إنسان» (6-41). «القيمة الحقيقية هي أن تفعل أو تحجم وفقا لفطرتك الحقة ... وإذا أنت قبضت على هذه القيمة فلن تصبو إلى اكتساب أي شيء آخر، ولن تعلي من شأن كثير من الأشياء الأخرى إلى جانبها. وإلا فلن تكون حرا أو مكتفيا بذاتك أو خاليك من الانفعال، وستضطر إلى الجسد والغيرة والتوجس مما لديهم القدرة على أن يسلبوك هذه الأشياء، والتآمر على من يملكون ما تراه ثمينا. وباختصار، فكل من يشعر بالحاجة إلى أي شيء من هذه الأشياء يكون بالضرورة منغص العيش، بل سيدفعه ذلك في أحيان كثيرة إلى أن يتذمر على الآلهة» (6-16). (8) السعي إلى الأشياء «بتحفظ»
من هنا ينبغي السعي إلى الأشياء المفضلة (المفضلات
Página desconocida