تأويل مختلف الحديث
تأويل مختلف الحديث
Editorial
المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق
Número de edición
الطبعة الثانية
Año de publicación
1419 AH
Géneros
Ciencia del Hadiz
وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "إِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ أَعَنَانِ الشَّيَاطِينِ" يُرِيدُ: مِنْ جَوَانِبِهَا وَنَوَاحِيهَا، كَمَا يُقَالُ: بَلَغَ فَلَانٌ أَعَنَانَ السَّمَاءِ، أَيْ نَوَاحِيَهَا وَجَوَانِبَهَا.
وَلَوْ كَانَتْ مِنْ نَسْلِهَا، لَقَالَ: فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ نَسْلِهَا، أَوْ بطونها أَو أصلابها، وَأما يُشْبِهُ هَذَا.
وَلَمْ تَزَلِ الْعَرَبُ تَنْسُبُ جِنْسًا مِنَ الْإِبِلِ إِلَى الْحُوشِ، فَتَقُولُ: نَاقَةٌ حُوشِيَّةٌ، وَإِبِلٌ حُوشِيَّةٌ، وَهِيَ أَنْفَرُ الْإِبِلِ وَأَصْعَبُهَا.
وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْجِنِّ نَعَمًا، بِبِلَادِ الْحُوشِ١ وَأَنَّهَا ضَرَبَتْ فِي نَعَمِ النَّاسِ، فَنَتَجَتْ هَذِهِ الْحُوشِيَّةَ، قَالَ رُؤْبَةُ:
جَرَتْ رَحَانَا٢ مِنْ بِلَادِ الْحُوشِ
وَقَدْ يَجُوزُ -عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ- أَنْ تَكُونَ فِي الْأَصْلِ، مِنْ نِتَاجِ نَعَمِ الْجِنِّ، لَا مِنَ الْجِنِّ أَنْفُسِهَا؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: "مِنْ أَعْنَانِ الشَّيَاطِينِ". أَيْ: مِنْ نَوَاحِيهَا.
وَهَذَا شَيْءٌ لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَ الْجِنَّ أَنْفُسَهَا وَالشَّيَاطِينَ، وَلَمْ يُؤْمِنْ إِلَّا بِمَا رَأَتْهُ عَيْنُهُ، وَأَدْرَكَتْهُ حَوَاسُّهُ، وَهُوَ مَنْ عَقْد قَوْمٍ مِنَ الزَّنَادِقَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ، يُقَالُ لَهُمُ: الدَّهْرِيَّةُ، وَلَيْسَ من عقد الْمُسلمين.
١ بِلَاد الحوش: بِلَاد الْجِنّ، والحوش والحوشية: إبل الْجِنّ وَقيل هِيَ الْإِبِل المتوحشة، وَقيل: هم حَيّ من الْجِنّ، وَأنْشد لرؤبة: إِلَيْك سَارَتْ من بِلَاد الحوش. "لِسَان الْعَرَب". ٢ الرَّحَى: الْكثير من الْإِبِل.
1 / 205