Sócrates: El hombre que se atrevió a preguntar
سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
Géneros
وكان سقراط يفعل ذلك الآن، لا متريثا بالسؤال والجواب كما قام لهم بذلك من قبل، مشاركا إياهم تقدمهم، ومتقهقرا عند ما لا يكونون مستعدين لمتابعته ، إن الوقت لا يتسع لتيسير الأمر على الناس في هذه المحكمة اليوم، وقد تكون هذه المرة آخر فرصة تسنح له لكي يخاطب الأثينيين، وكان عليه أن يقول في جرأة ما كان ينمو في نفسه طوال حياته كلها، ويأمل أن يفهم بعضهم مرماه.
ولذا فإنه لم يذكر لأعضاء المحكمة الأمور السارة التي توقعوا أن يستمعوا إليها تصدر من سجين في قبضتهم، وإنما ذكر لهم الحق الذي ظن أن لا بد لهم أن يعرفوه، ذكر لهم لماذا لم يقبل أن يأتي بأسرته تشفع له، ولديه زانثب وطفلها يبكون ويتوسلون إلى المحكمة أن تخلي سبيله، فتلك كانت التقاليد؛ لأن ذلك يعطي المحكمين إحساسا بالنفوذ وعمل الخير، ولكن سقراط لم يقبل على نفسه ذلك، ووضع الأسباب وذكر المحكمين بهذا القول: «إن القاضي قد أقسم ألا يقدم الفضل كما يشاء له الهوى، بل أن يقيم العدالة طبقا للقانون، ولا ينبغي لنا أن نعودكم الحنث في يمينكم، ولا ينبغي لكم أن تسمحوا لأنفسكم بالانزلاق في هذه العادة.»
وأنبهم كذلك على انعدام المبادئ في الحياة السياسية في مدينتهم، مرددا قصة القواد الستة - القصة التي كانوا يمقتون ذكراها - وقال لهم: إنه من الخطر على المرء أن يقف في معارضة نزيهة سواء تحت الحكم الديمقراطي أو تحت دكتاتورية الثلاثين. «إن الرجل المخلص لا يكاد يستطيع أن يخدمكم في وظيفة عامة مع بقائه حيا!»
ولذا فقد قام برسالة خاصة لكي يعينهم «وتلك أكبر نعمة حبت بها الآلهة هذه المدينة» كما قال، وحتى لو وعدوا أن يخلوا سبيله مقابل التزامه الصمت لرفض أن يلزمه.
وقال في جد مجيبا عن السؤال الذي عرف أنه يتردد في فؤادهم: «يا رجال أثينا، إني صديقكم، وإني أحبكم، ولكني برغم هذا سأطيع الآلهة بدلا من أن أطيعكم، ما دام في صدري نفس يتردد وفي قلبي قوة فلن أكف عن ممارسة الفلسفة، وسوف أشجع كل رجل ألاقي وأوجهه إلى الحقيقة، وسوف أسأله وأختبره وأفحصه، ولو وجدت أنه لا يملك الخير، وإنما يزعم أنه يملكه وحسب، لمته على ذلك، وسوف أقول له : إنه يقدر بأبخس الأثمان أجل الأمور، وبأعلى الأثمان ما هو أقل منها قيمة، وإذن أيها الأثينيون فإنه سواء لدي أن تطلقوا سراحي أو لا تطلقوه، ولكن أيا ما تفعلون، فلتفعلوه وأنتم تعلمون أني لن أغير مسلكي، حتى لو حكمتم علي بالموت عدة مرات!»
وإن المرء ليكاد يعتقد أنه أراد أن يدان، وقد ظن ذلك بعض من سمع بالخطاب فيما بعد، وقد كان رجلا عجوزا، وربما مل الحياة، ولكن صوته لم ينم عن تعب أو ملل، وكان يدافع عن حياته بأسلوبه الأمين المثير.
قال لهم: «إن أنيتس لا يستطيع إيذائي، ولست أظن أنه يسمح لرجل أفضل أن يؤذى من رجل أسوأ. (ربما استطاع أن يقتل الرجل الخير أو أن ينفيه، وقد يحسب أن القتل والنفي من الشرور الكبرى، ولكني لا أعتقد ذلك، إنما أعظم من ذلك شرا أن يفعل مثلما يفعل الآن)؛ ولذا فإني لا أدافع من أجل نفسي، وإنما أدافع من أجلكم»، ثم قص القصة التي ظلت تروى عنه فيما بعد دائما، وإنها لنكتة - كما سماها - ولكنها صادقة: قصة الجواد العظيم النبيل الكسول الذي يسمى أثينا، والذبابة التي تلدغ: وهي سقراط، الذي أرسله الله لكي تبقى أثينا متيقظة، وليس من شك في أن الأثينيين كانوا ساخطين على الذبابة، كما يسخط النيام حين يوقظون، وظنوا أنهم يستطيعون سحقها بضربة واحدة، ثم يغطون في النوم إلى الأبد، بيد أنه حذرهم قائلا: «خير لكم أن تستبقوني، فلن يتيسر لكم أن تجدوا رجلا آخر مثلي!»
وكانت تلك بالتأكيد نكتة كبرى، ولا أعني الجواد والذبابة فحسب، وإنما أعني الموقف بأسره، وكان ألقبيادس يدرك هذا اللون من فكاهة سقراط الذي يسبب الاضطراب أكثر مما يدركه أكثر الناس، وربما كان يقول في ذلك: «إن سقراط وصدقه قد قلب هذه المحاكمة رأسا على عقب، إنه وصدقه قد اكتسح هذه المحكمة، وإنه يرغم القضاء على أن يقاضوا أنفسهم، إن السجين هو السيد في هذه المحكمة؛ لأنه يعرف خيرا أسمى، ولأنه لا يخاف، قد يقتلونه الآن - وكثيرا ما تمنيت موته - غير أن هذا نوع من الأذى لا يعترف به، ولو فعلوا فإن روحه لن تريحهم، فأنا نفسي لم أجد الراحة قط.»
وأخيرا، ناشد سقراط الإله والمحكمة في هدوء أن يحكموا بما هو خير لنا كلينا، وانتهى بذلك فجأة الخطاب الذي جاوز حدود المعقول، وجلس سقراط وعاد مرة أخرى الاضطراب والتمتمة التي كان قد كبتها من قبل، وأعلن المنادي أن القضية معروضة للتصويت.
واستمرت إجراءات المحكمة المألوفة، وأعدت أوعية التصويت، وتسلل الواحد والخمسمائة الرجل من المحكمين في أناة مارين بها للإدلاء بأصواتهم، ونقلت الأوعية إلى مناضد العد، هل هو مذنب أو غير مذنب؟ ستعرف النتيجة بعد لحظات ولن يكون بعدها استئناف، إنما العقوبة فقط هي التي يمكن تعديلها، وقد طلب الادعاء عقوبة الموت، ولكن المحكمة قد تقبل النفي لو اقترحه سقراط، وربما كان أنيتس لا يزال يأمل أن يقترح سقراط ذلك.
Página desconocida