Sócrates: El hombre que se atrevió a preguntar
سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
Géneros
وكانت المرة الأولى عند محاكمة القواد الستة بعد معركة آرجنيوزي البحرية الكبرى بعيدا عن ساحل آسيا الصغرى، وقد عبئت السفن لهذه المعركة بكل أثيني تقريبا - عبدا كان أو حرا - يستطيع أن يستخدم المجداف أو يحمل السلاح، أما سقراط الذي كان آنئذ في منتصف عقده السابع، فالأرجح أنه تخلف في وطنه ليقوم بواجب الحراسة، ولكن صديقه الشاب أفلاطون قد خاض المعركة بالتأكيد وأسهم فيما أحرزته من نصر وما أعقبها من عار بعد ذلك، إذ إنه بعد انتهاء المعركة وبينما كان القادة يتجادلون بشأن من يجمع منهم شمل الأحياء وينقذ حطام السفن التي ظلت طافية حول ميدان القتال، هبت عاصفة ولم ينج البتة أحد في النهاية، وتركت للغرق على مرأى من الساحل اثنتا عشرة سفينة أثينية حربية على الأقل بنيت للسرعة لا للنجاة كما كان ينبغي، فلم تزود بقوارب النجاة أو بوسائل الوقاية من الغرق، ولم تبحر سفينة واحدة لإنقاذ السابحين.
وصعق الناس وغضبوا لما بلغت أثينا رسائل القادة التي تصف النصر والعاصفة وعدد الموتى، وأعفي من القيادة القواد التسعة جميعا الذين كانوا بالمعركة، وأعيدوا إلى الوطن للمحاكمة وقد أدركت المنية أحدهم خلال ذلك، وصمم اثنان منهما ألا يعودا، وعاد إلى أثينا الستة الباقون، وكان أحدهم ابن بركليز وإسبسيا، وكلهم من الموظفين العاملين المعروفين، وطلب إليهم أن يتقدموا بتقاريرهم إلى مجلس الخمسمائة للتحقيق المبدئي.
وكان مجلس الخمسمائة هو الهيئة التنفيذية الكبرى التي تعد العمل «للمجلس»، وحدث أن انتخب سقراط بالاقتراع لكي يكون أحد أفراد مجلس الخمسمائة في ذلك العام، وكان فوق ذلك أحد أفراد المجلس الخمسيني لقبيلته الذين كانوا يقومون بالرياسة في ذلك الشهر، وتكلل بإكليل رسمي من الريحان، وكان يقضي كل يوم في قاعة المدينة حيث كان الأعضاء والرؤساء يعقدون اجتماعاتهم ويتناولون طعامهم، ولا بد أن تكون زانثب قد ارتأت في ذلك وفرا عظيما، بل كان يقضي الليالي هناك أحيانا، إذ كان من المفروض أن يكون بعض الرؤساء ميسورا دائما للحالات الطارئة.
وبعد التحقيق أمام مجلس الخمسمائة، جيء بالقادة الستة أمام المجلس، وهنا بدأت تثور الخواطر، وكان المتهم واحدا من قوادهم البحريين، سياسيا واسع الحيلة يدعى ثرامينس، كانوا قد أصدروا إليه أمرا - متأخرا جدا على الأرجح - لكي يبحر في مهمة الإنقاذ، واستطاع سقراط - الذي تمرس على ملاحظة دوافع الناس الحقيقية - أن يدرك لماذا كان ثرامينس عنيفا جدا في اتهامه القادة، فقد كان ثرامينس يرى أن التهمة سوف تلتصق بشخص معين لم يرد له أن تلصق به، وربما أدرك قوم آخرون كذلك أن ثرامينس قد تكون لديه دوافعه الشخصية، ومهما يكن من الأمر ، فما إن انتهت الخطب المطولة، ووصف الشهود العاصفة التي حالت دون الإنقاذ حتى بدأت الأكثرية تعتقد أن القادة ينبغي أن يبرءوا، غير أن الظلام قد احلولك في تلك اللحظة حتى أمسى من العسير أن يرى المرء أيدي الرجال مرفوعة للتصويت، فأشار أحدهم - ولم يلاحظ فرد منهم من هو على التحديد - بإعادة القضية إلى مجلس الخمسمائة لتوصي بما يتبع قبل انعقاد المجلس القادم، وكانت الأيام الثلاثة لعيد الأسرة مقبلة، ومن المنظور أن تبرد حرارة القضية عند عرضها مرة أخرى بعد عطلة العيد.
ولما توجه سقراط إلى منزله ذلك المساء سيرا على قدميه سره أن يجد المدينة هادئة بعد أن ثارت خواطرها نهارا، ولم يسمع سوى العويل هنا وهناك حيث كانت الأسر تعلن حزنها على ابن أو أخ ابتلعه اليم، وإذ هو يسير في المدينة انفتح أحد الأبواب وأطل منه رجلان ومعهما الغلام الذي يحمل الشعلة، واستودعا صديقا، حليقا، في ثياب الحزن السوداء، وقف كالظل خلف الباب، ثم أخذا طريقهما وانصرفا، وقد عرفهما كليهما سقراط، إذ كان أحدهما كالكسينس، عضو له نفوذه في مجلس الخمسمائة، والآخر ثرامينس.
وفي اليوم التالي وما بعده وما تلاه؛ كرر ثرامينس زياراته، وازداد في المدينة ظهور الثياب السوداء، وكان عيد الأسرة في العادة عيدا بهيجا في جملته، تقيم فيه العشائر ولائم العشاء، ويرحب فيه الناس بمن استجد من المواليد ومن بلغ سن الرشد في غضون العام، بيد أن عيد الأسرة هذا العام كان مختلفا، زعم الناس فيه أن أشباح الموتى - الذين لم تدفن جثتهم والذين قضي عليهم بالتجوال في عالم الظلام السفلي بغير راحة - ترفع الصوت مطالبة بالانتقام، ولما اجتمع مجلس الخمسمائة في الصباح الرابع ليستأنف النظر في قضية القواد الستة، احتشد خلف قضبان غرفة المجلس جمهور ساخط من المحزونين ذوي الثياب السوداء، ثم نهض كالكسينس للكلام.
واقترح كالكسينس قرارا غير شرعي، ذهل له سقراط عندئذ، واشتد ذهوله حينما عرض القرار على المجلس فيما بعد، قال كالكسينس متئدا: «لقد تعطلنا طويلا في هذا الموضوع التعس الذي يتعلق بالقواد الستة، إن بين أيدينا من الدلائل ما يكفي، والشعب الأثيني الثائر يطالبنا بالعمل، وإني لذلك أقترح أن يصوت المجلس فورا، ولنعد للتصويت وعاءين، يخصص أحدهما لمن يرون أنهم مذنبون، ويخصص الآخر لمن يرونهم غير مذنبين، وليبرأ القواد جميعا أو يدانوا معا بصوت واحد.»
وكان الجدل في مجلس الخمسمائة طويلا حارا رغم ضجيج الشعب المحتشد عند الباب، وطبقا للقانون الأثيني كان لكل امرئ الحق في أن يستدعي شهوده ويعرض قضيته كاملة، وكان له - قبل كل شيء - الحق في المحاكمة الفردية، وكان أحد القواد المقدمين للمحاكمة على ظهر إحدى السفن التي تحطمت، فكيف يمكن أن يعد مسئولا مثل الآخرين؟!
غير أن كالكسينس أصر على موقفه، واشتد ضغط الجماهير على القضبان، وعزى كل عضو في المجلس نفسه بأنه فرد واحد بين عدد كبير، وإن هذا التصويت لم يكن على قرار وإنما كان على توصية بقرار، وكان سقراط وقليل آخرون من المعارضين لكالكسينس أقلية، فحولت القضية على المجلس بتوصية كالكسينس، وتحول معها الجمهور المجلل في الثياب السوداء.
وبدأ هذا اليوم في المجلس الأثيني - كما ارتآه سقراط من مكانه بجوار منصة الكلام - كالكابوس الذي لا يفوقه فزعا أي شيء عرف فيما مضى، وبدت وجوه أصدقائه وجيرانه الطيبين من تحته كأنها غريبة عنه، وحتى قبل البدء في الخطب بدا له كأن علة من علل النفوس قد أخذت تنتشر في صمت من الرجال ذوي الثياب السوداء المحتشدين حول درجات المنصة إلى الجماهير، وأخذ العضو المجاور له، الشيخ الطيب أرستوجينس الذي ينتمي إلى الجناح الآخر من الحراس، يعبث بعصاه في حالة عصبية، وقال: «إنهم لم يظهروا بهذا المظهر منذ سنوات، منذ الأيام السيئة التي أعقبت الهزيمة في صقلية، ويبدو أن اقتراح كالكسينس المضحك قد يعرض للتصويت فعلا، فماذا عسانا إذن فاعلين؟»
Página desconocida