Sócrates: El hombre que se atrevió a preguntar
سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
Géneros
ونستطيع أن نتصور أن سقراط بعد عودته من حملة الشمال بفترة ما قد أدخل في حياته التحول الذي ظل يفكر فيه سنوات طوالا، فقد كف عن عمله كنحات، ومن الطبيعي أن تنزعج زوجته زانثب، وقد أرغت في ذلك وأزبدت لجيرانها، ولم يكن موقف سقراط مما يدعو إلى اليأس، إذ كان لديه ما أمهرته به زوجته عند قرانها به، كما خلف له أبواه البيت الذي يقطنه ومبلغا يسيرا من المال، وقد حول سقراط هذا المبلغ إلى أقريطون يستغله له، فاستطاع أن يعيش على دخله عيشا بسيطا، غير أن زانثب اعتقدت أن العيش كان يمكن أن يكون أرغد وأكثر ضمانا لو أن زوجها كان بطبيعته عاقلا كغيره من الناس.
وقد لحظ أقريطون شيئا آخر دفع سقراط إلى التفكير، وكان أطول معرفة به من زانثب، كان سقراط يتأهب لنوع من أنواع النضال، ولم يكن في ذلك شك، وكان أقريطون في زمانه رياضيا، يلمح الدلائل على ذلك ، فإن التدريب الذي أخذ سقراط به نفسه قد أثر على مأكله ومشربه ومضجعه، وكما أن العداء يرسم حياته بحيث لا تتدخل هذه الأمور في حذقه العدو، فكذلك كان الأمر مع سقراط، فقد تحاشى النوم الثقيل الذي يعقب الإكثار من الطعام، كما تحاشى النشوة النزقة التي تصاحب الشراب.
ومع ذلك فمن الواضح أن نضاله لم يكن من النوع المألوف، وإن كنت تستطيع أن تلقى سقراط في الملعب في عصر أي يوم من الأيام، إلا أنك تلقاه متحدثا، ولا تلقاه عاديا أو مصارعا، وكان دائما يحب الحديث، ولكنه الآن يتابع حديثه جادا كما يتابع غيره من الناس أعمالهم، فيخرج من بيته عند شروق الشمس، ويقضي النهار في السوق أو الملعب، فما معنى كل هذا؟
وسر أقريطون لحقيقة لمسها آنذاك، وتلك هي أنه مهما حدث لسقراط الآن فإنه لم يصب بأي ضرر فلا زال يدرك النكتة كما كان، ولم يداخله الغرور، ولو كان هناك خطر من ذلك في أيام حياته العلمية، فقد قضى عليه الآن، واشتد إخلاصه لأصدقائه عن ذي قبل، وكان زميلا طيبا، وقلما تشهد فيه ذلك الغضب المفاجئ الجامح الذي كان ينفجر به فيما مضى من الزمان، وكذلك تخلص من بعض ما كان يساوره من قلق، وفي الحق لقد بدا لأقريطون أن سقراط تحل به أحيانا طمأنينة عجيبة، وكأنه من بين الأثينيين جميعا يعرف إلى أين يسير، وقد أعد نفسه وتأهب للرحيل.
الفصل الثامن
الرسالة
ولذا ترى سقراط في فترة من فترات كهولته وقد بدأ في أداء الرسالة التي سوف تستغرق بقية حياته، وكانت لديه وسائل عديدة يصف بها طبيعة هذه الرسالة، كان جنديا للآلهة يجب أن يلزم مكانه، وكان شوكة حادة أرسلتها الآلهة لتخز المدينة، وطبيبا يولد أفكار غيره من الناس كما تولد أمه الأطفال، وقال إنه دعا الناس إلى الإدلاء بطريقة عيشهم، وإنه اختبرهم أو فحصهم، أو إنه «تفلسف» وهو تعبيره عن «ممارسة حب الحكمة».
ومهما ظن في بحثه أول الأمر، فقد بات الآن في جلاء واجبا عاما يؤديه من أجل غيره من الناس كما يؤديه من أجل نفسه، وكان إدراك الخير الذي كان يبحث عنه دائما بعيدا جد البعد عنه، ولكنه أدرك وجوده، كما أدرك أن الأحياء جميعا يجب أن تتجه إليه، أما جيرانه الذين أحبهم فإنهم لم يعموا فقط عما رأى، وإنما يظهر أنهم - كالسجناء في الكهف - قد قنعوا بالعمى وظنوا أنه الإبصار الطبيعي، والواقع أننا لو وضعنا نصب أعيننا تصوير أفلاطون للكهف سهل علينا أن نفهم إحساس سقراط إزاء الحياة الغافلة التي كانت تتصيد الظلال، الحياة التي كان يحياها الناس في مدينته، كما سهل علينا أن نفهم ما كان يحسب أن الآلهة تريد أداءه إزاء ذلك.
كانت أثينا مدينة تتصيد الظلال، ولكنها كانت مع ذلك مدينة عجيبة، مدينة جريئة حرة جليلة، وأحب سقراط أثينا وما كان ليهجرها حتى في عطلة لو استطاع ذلك، وعرف أكثر من أغلب الناس الأشياء الجميلة التي كانت تؤدى في مدينته كل يوم، فالصناع يقومون بالعمل مخلصين بغير رقابة، والأصدقاء يخلصون للأصدقاء، ورجال الأعمال يوفون العهود، والمواطنون في المجلس ينادون بما يظنونه الحق.
وإنما كان سقراط يتوجع لهذا الخير عينه في مدينته؛ لأن كل هذه الأشياء الجميلة كانت تحدث في أكثر الأحيان ولا تحدث دائما، وتحدث بغير إدراك لها، كان الناس يكادون يصطدمون بالخير عفوا، دون أن يعرفوا ماذا هم فاعلون، وربما اصطدموا بالشر في اللحظة التالية، بهذه المعرفة الضئيلة عينها، وأسوأ من هذا كله تقريبا إن أي خير يحصلون عليه لا يستطيعون أن يورثوه أبناءهم، انظر مثلا إلى أبناء بركليز: إنهم لا يفضلون الأبناء العاديين، بل لقد كانوا في الواقع أشد منهم سوءا، فإما أن بركليز لم يأبه بأبنائه، وإما أنه لم يعرف كيف يعلمهم الصفات التي جعلت منه رجلا عظيما.
Página desconocida