Sócrates: El hombre que se atrevió a preguntar
سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
Géneros
وهناك فارق آخر، فإن الناس قد يذكرون عن الآلهة ما يشاءون، ولكن سقراط يضع لنفسه حدا من الخبرة العملية يسير وفقا له، وكان لديه منذ طفولته ما كان يسميه «الإشارة المقدسة».
وكان ينتابه من آن لآخر شعور يحول دون ما كان يوشك أن يؤديه؛ لأنه - كما قال - ليس من الخير له أن يؤديه، وقد كان في مبدأ الأمر يحس بما تعنيه كلمة «الخير» هذه ولكنه لم يستطع تفسيرها، لا بد أن يكون لها شأن بالسعادة؛ لأنه وجد أنه إذا فعل كما أوحت إليه الإشارة كانت عواقب الأمور جميعها طيبة، ثم عرف أنه يستطيع أن يعتمد عليها، وأن يطيعها دون سؤال، حتى إن لم يدرك لذلك سببا، وجلي أن الإشارة كانت أكثر منه حكمة، وإذن فلا بد أنها هابطة من الآلهة الذين يعرفون كل شيء.
ولم يتحدث سقراط كثيرا عن الإشارة حتى بعد أن صار رجلا، وربما لم يذكرها البتة وهو في عهد الطفولة، فإن الناس ما كانوا ليفهموه آنئذ كما لم يفهموه فيما بعد، لم تكن الإشارة إلها خاصا صغيرا بداخله كما ظن بعض الناس، ولم تكن ضميرا يخبره بما كان قاسيا وما كان رحيما، وما كان صادقا وما كان كاذبا، أحس هذه الفروق كما نحسها، ولكنه لم يذكر قط أن الإشارة بذلك قد خبرته.
وكانت الأعمال التي تمنعه الإشارة من أدائها عادية مما نعمله كل يوم، كالذهاب إلى مكان معين أو الحديث مع شخص بذاته، ولربما ربط الأمر شخصا آخر بالحظ، وجعل منه خرافة، كالامتناع عن الخطو فوق الشقوق أو السير تحت السلم الخشبي، غير أن الطريقة التي استخدم بها سقراط إشارته كانت تختلف عن ذلك كل الاختلاف، فقد اتخذها كمثال بسيط لما لا بد أن يكون قد أحسه قلبه من قبل، إنها تعني - فيما ظن - أن الآلهة كانت تقود إلى طريق الخير، وليس عليه إلا أن يطيع.
كان ذلك أمرا معرفته يسيرة، ولكن سقراط كان إذا عرف شيئا عرفه بكل قلبه؛ ولذا فقد سارت مع الإشارة المقدسة طريقة جديدة بأسرها من طرق التفكير بشأن الآلهة، طريقة لو أخطر بها سقراط أكثر أهل المدينة ما فهموها.
إن الآلهة أولا تعنى بالناس، ولقد عرف سقراط ذلك لأنه أحسه، وهي لم تعن بالملوك أو بأبطال الماضي فحسب، وإنما عنيت به، بسقراط بن سفرونسكس النحات.
ثم كانت الآلهة طيبة كذلك، ولقد عاونته الإشارة على الإيمان بذلك أيضا، كانت فيها كل صفات الخير التي تجدها عند الناس، وهي لم ترد للناس سوى الخير، أما القصص القديمة عن الآلهة التي تكذب وتسرق وتغار وتغضب فقد وضعها رجال هذا هو مدى ما يعلمون، إن الخير هو العلامة الخاصة التي تتميز بها الآلهة، وكل ما لا يتفق وما لديهم من خير فهو من نسج الخيال.
وقد تحدث بهذه الفكرة قوم آخرون في أثينا بعد ذلك بفترة وجيزة، وقالوا لا بد أن يكون صادقا، وكان سقراط على يقين من صدقه، إن الآلهة طيبة، تتطلب الخير ممن يعبدونها أكثر مما تتطلب أي شيء آخر، والدليل على أن الشخص يعتقد في الآلهة هو طاعته لما تتطلبه من الخير، ولم يكن في حياة سقراط ما يجعله يعدل عن إيمانه بذلك بعدما أدركه، وكان لهذا الإيمان أثر في الطريقة التي أدى بها سقراط أعماله.
وهناك تفصيلات أخرى لم يعرفها سقراط ولم يتساءل عنها، لم يعرف أشكال الآلهة أو عددها، وكان يصلي لأي إله يطيب له، ويتحدث عن «الإله» (وربما كان يعني «الآلهة» عامة، فإن اليونانية لا تبين عن ذلك) أو يتحدث عن الآلهة بغير اعتناء، لم يساوره القلق بشأن التماثيل القديمة أو الضحايا أو الشعائر، وإنما كان يستشعر اللذة في تمجيد الآلهة الطيبة بأية وسيلة من الوسائل.
وكان يقوم بكل ما كان مألوفا في مدينته من جميع وسائل التقديس والعبادة المعروفة، إلا أنه كان أكثر تفكيرا في معنى ما كان يقوم به، فقد لحظ أصدقاؤه مثلا أنه لم يحب أن يستعمل باستخفاف اسم أي إله من الآلهة، وإن أراد أن يؤكد قولا فمن المحتمل ألا يقول: «أقسم بزيوس» كما كان يفعل أكثر الناس، وإنما يقول: «أقسم بكلب مصر»؛ لأن إله مصر الذي يحمل رأس الكلب كان عنده وحشا ولم يكن البتة إلها، وإن هو أقسم بالآلهة لم يكتف بأن يهتم بتنفيذ ما وعد، وإنما حاول كذلك أن ييسر لغيره من الناس أن يفوا بما وعدوا.
Página desconocida