وعن عائشة «أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يسرد الكلام كسردكم، ولكن كان إذا تكلم بكلام فصل يحفظه من سمعه» (1). وفي رواية: «إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث حديثا، لو عده العاد لأحصاه» (2).
ويظهر أنه كان من عادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد كلامه ويكرره على السامعين حتى يدركوه جميعا فلا يفوت أحدهم بعضه فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - عليه الصلاة والسلام - «كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا، حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم، سلم عليهم ثلاثا (3)». ولا يفهم من حديث أنس هذا أنه كان يفعل ذلك دائما بل بقدر ما تقتضيه الحاجة.
فمن جميع ما سبق يتبين لنا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يبين للناس الأحكام جيدا حتى لا يبقى لسامع سؤال، ولا لسائل مشكل يقف عنده. حتى إنه كان يجيب السائل بأكثر مما سأله (4).
كان يتغيا التيسير في جميع أموره، وينهى عن التشديد والتعقيد، يريد من المسلمين أن يأتوا الرخص كما يأتون بالعزائم، وينهى عن التنطع في العبادة. والتضييق في الأحكام، ولا بعد في ذلك كله، فإنه ناطق بلسان الشريعة السمحة الميسرة. ويظهر لنا أسلوبه في ذلك كله من تتبع سيرته - عليه
Página 51