Caja del mundo
صندوق الدنيا
Géneros
وتخزني شوكة فأهيب بها أن تنجدني فتضحك وتقول: «إن منظرك ظريف. ليت هناك مرآة فترى نفسك فيها.»
فأضحك من نفسي وأقول لها: «إني لم أمش كل هذه المسافة ليكون منظري مضحكا. وما أراني أستطيع الآن أن أحرك إصبعا فإن الشوك يتلقاني من كل ناحية. بالله نحي هذه الشوكة عن ذقني فإنها تكاد تقتلني.»
وترى الدم سائلا من ذقني فيدركها العطف علي، فتنحي الشوك بيديها عن وجهي وتضغطه بكفيها فيدنو وجهها مني، وتصبح عيناي في عينيها، وأنفي قبالة أنفها، وفمها أمام فمي، ويقرأ كل منا في عيني صاحبه من آيات الحب ما لا سبيل إلى العبارة عنه، ثم يدور رأسها، وتهيم نظرتها وتهوي على فمي بفمها، ويحط في هذه الساعة عصيفير على غصن وينطلق يغرد.
ولما بلغت إلى هنا فيما تخيلت وبينما أنا أتذوق القبلة التي تصورتها مطبوعة على فمي، نهق الحمار! فانتبهت مذعورا من حلمي اللذيذ! ومحيت الصور الفاتنة وانتسخت الخيالات الأنيقة المعجبة وردني الصوت المنكر إلى ما جئت من أجله، فقمت متثاقلا وفرشت الفروة في أرض الكهف وأطلقت البخور في الموقد، وقمت إلى الصلاة، ثم شرعت في التلاوة على نحو ما حتمت الورقة. •••
ولا أدري ماذا أصابني، ولكن الذي أدريه أني ظللت أقرأ وأقرأ في جوف الليل وأطلق بخور الجاوي واللبان، ثم لم أعد أعي شيئا. ولما قمت في الصباح كان ضوء الشمس قد غمر السهل والجبل، فخرجت من الغار وأنا لا أفهم، وأدرت عيني في كسل وفتور ثم تذكرت الحمار، فجمد دمي في عروقي، وأحسست العرق البارد يتصبب. أين ذهب؟ وكيف يفك القيد عن أرجله ويحل اللجام عن الصخرة؟
ولا خير في الإطالة فقد سرقه اللصوص وأنا ملقى كالجثة في جوف الغار، بارك الله في جدي وفوائده ...!
الفروسية
دعينا مرة - أنا وطائفة من الإخوان - إلى قضاء يومين في ضيعة أحدهم، وكانت قريبة من إحدى الضواحي فركبنا القطار إلى ... وهناك وجدنا طائفة شتى من الخيل والبغال والحمير، فتوهمت في أول الأمر أن هناك سوقا للدواب أو معرضا لها. ثم علمت أنها لركوبنا. فاخترت من بينها حمارا صغيرا وهممت بامتطائه، ولكن صاحب الضيعة وداعينا عز عليه أن يركب «المازني» حمارا، وجاءني بجواد أصيل وأقسم علي لأركبنه. فاستحييت أن أقول له إني أخاف ركوبه، وإنه لا عهد لي بالخيل، ودنوت من بعض الخدم وهمست في أذنه هذا السؤال: «قل لي: كيف تركب هذا الحصان؟»
فتأملني مليا ثم قال وعلى فمه طيف ابتسامة: «على ذيله!»
قلت: «على ماذا؟»
Página desconocida