إليك عنا يا صاح: ما أسهل الكلمات وما أصعب الأعمال.
فلما جاهد الرجل جهاده كانت علامة نجاحه الأولي، بل علامة نجاحه الكبرى، أنه وجد من الأعوان أناسا يؤمنون بسهولة العمل متى فهموا ما ينبغي أن يعملوا، ثم عمل شيئا ولا شك، وإن لم يعمل كل شيء، ولكن الذي عمله لم يكن إليه سبيل لو ظل الناس يرددون حكمتهم القديمة في الفهم اليسير والعمل العسير.
وأسهب الرجل غاية الإسهاب في الفهم، أسهب غاية الإسهاب، وفصل غاية التفصيل، ووهم من يسمعه أو يقرؤه أنه لا يحسن إلا أن يفهم ويعين التفهيم، وأنه غارق في الأحلام، غارق في بحار من الكلام، وهكذا وصفه الذين عاهدوا أنفسهم ليصغرن كل كبير من بعض نواحيه، فعابوه بأنه «حالم» ... ولو أنهم بحثوا عن عظمة له أعظم من أحلامه لما وجدوها، بل لو أرادوا أن يتخيلوا عملا له بغير الحلم لما استطاعوا أن يتخيلوه.
إن سن ياتسن قد بدأ عمله بالدعوة إلى إسقاط أبناء السماء.
فلو لم يكن حالما كيف كان يخطر له هذا العمل على بال؟
إن أبناء السماء كانوا يحكمون أربعمائة مليون من النفوس الآدمية، وكان لهم أعوان من الدول الكبرى يأبون أن يسقطوهم؛ لأنهم عاهدوهم على تسليم الغنائم والمزايا، وعلموا أن سقوطهم ضياع لكل غنيمة وكل مزية، فمن كان ينهض لإسقاط هؤلاء فهو يحلم، ولو لم يكن قادرا على هذا الحلم لما كان قادرا بعد ذلك على عمل.
وهذه هي عظمة الرجل!
وبهذا يعاب عند الذين يجهلون كيف يعيبون، ولكنهم مع هذا يعيبون؛ لأن العيب سهل، أما العسير حقا فهو التعظيم والتقدير!
وسقطت أسرة أبناء السماء في حياة الرجل، فمن شاء أن يقول إنه عامل جد عامل فقد صدق، ولكن العمل والحلم سواء عند القادرين على هذه الأعمال، وعلى هذه الأحلام.
وما استطاع الرجل أن يعمل هذا العمل إلا لأنه استطاع أن يوقع في الأذهان أن العمل سهل متى فهموا ما ينبغي أن يعملوه.
Página desconocida