وهذا الذي أنقذها وجعل الصدمة أنفع لها من الراحة الموبقة والغيبوبة السادرة.
فهي أكبر من أن تلتهمها دولة واحدة، والطامعون فيها أكثر من أن يتفقوا على تقسيمها، وأنفع لهم أن يتفقوا على سلامتها ويقنعوا باستغلال مواردها ما استطاعوا، وهو ما سموه بعد ذلك بالباب المفتوح، وقدروا يومئذ أنه باب مفتوح للدخول وحسب، ولم يقدروا أنه كذلك مفتوح للخروج.
كان من الواجب للصين أن تصطدم بالواقع وقد اصطدمت بالواقع صدمة كبيرة، ولكنها لم تكن أكبر منها ولم يكن شرها أكبر من شرور الكفاية التي كانت مخدوعة بها، أو شرور الراحة التي كانت سادرة فيها.
لم يكن ساسة الصين يجهلون العالم الخارجي أو يجهلون وجود القارات الأخرى، وكثيرا ما فرق السياح على قصر ابن السماء وحدثوا القوم عن بلادهم وأقوامهم حديثا يشوق ويعجب، ولكنه لا يهم ولا يزعج، وغاية ما يثيره في النفس أنه كان كالقصص التي يسمعها الأطفال عن الأمم النائية ما كان منها موجودا حقا أو كان من صنع الخيال وأكاذيب الرواة.
وكان أبناء السماء ينهزمون أحيانا، ولكنهم كانوا ينهزمون أمام أبناء سماء آخرين.
وربما انهزم جيش من جيوشهم في وقعة مع الدول القريبة، فلا ينتهي خبر الهزيمة إلى أقصى البلاد، ولا يقع من نفوس السامعين له إلا كموقع الهزيمة التي يمنى بها الشرطة في كفاح عصابات المجرمين، ثم تنهزم العصابة أو تنجلي هاربة إلى مأمنها، وتجري الأمور بعد ذلك في مجراها القديم.
ويظل ابن السماء ملكا على كل ما تحت السماء.
ويظل الصينيون أقوى الأمم وأرفعها وأوحدها بوصف الحضارة بين البرابرة والمستوحشين.
ولم تنقطع سفن التجار عن موانئ الصين الجنوبية والشرقية منذ عرف الناس فن الملاحة، فلما وفد على تلك الموانئ تجار الغرب في القرن الثامن عشر وما بعده لم يكن هنالك ما يستغربه القوم: أناس يطرقون الأبواب في طلب القليل من الفتات، فليأخذوا ما طاب لهم صدقة وإحسانا من سيد العالم، وملك القريب والبعيد من البلاد.
إلى أن كانت حرب الأفيون.
Página desconocida