Sultán Muhammad el Conquistador
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
Géneros
كانت هذ الكنيسة من عجائب القسطنطينية؛ فقبتها العالية وصفها المعاصرون وكأنها «معلقة من السماء بسلسلة ذهبية»، وكان جمال زخارفها ورونقها وأعمدتها ورخامها يبهر النظر. وأما مصابيحها الوهاجة وبخورها العبق، وأما الحفلات الدينية التي كانت هذه الكنيسة عامرة بها والآيات والأناشيد التي ترتل فيها والصلوات التي تقام فكانت تبعث في النفس الروعة وتشعرها بالجلال وتملؤها بالخضوع.
وبجانب ذلك الجلال والبهاء قامت القصور الفخمة العامرة بالملذات والترف وانتشر الفساد الخلقي والرشوة، وقامت أماكن كان يباع فيها الشرف والعرض وكل فضيلة إنسانية في سبيل متاع وقتي زائل.
واهتم الأغنياء بإشباع البطون واقتناء الأيقونات وأدوات الزينة وبالشهوات، وقامت أماكن اللهو والملاعب يمر فيها القواد المنتصرون، يسير خلفهم أسرى الحرب، هذا في وقت عز القسطنطينية. وجرى في الملاعب سباق العربات ومنازلة الرجال ومصارعة الحيوانات وأعمال الأكروبات ومهازل المضحكين. وفي هذه الملاعب عبر الناس عن أفكارهم، عن رضاهم واستيائهم. وفيها كانت توضع بذور الثورة وتقوم الثورات التي قد تهز عروش الأباطرة البيزنطيين.
وقامت بيوت الفساد والدعارة إلى جانب الكنائس والأديرة، وكما فاقت هذه المدينة المدن الأخرى في العظمة والفضيلة فاقتها في الفوضى والرذائل. فمن الميادين العظيمة تعرجت الأزقة المظلمة الموحلة وامتلأت بالكلاب واللصوص وقطاع الطرق، وكثرت فيها حوادث السرقة والاغتيال والغدر والقتل.
كانت القسطنطينية مدينة ثقافية ممتازة، فمركزها في شرقي أوروبا كمركز رومة في غربيها، وهي في ثقافتها متأثرة بالقديم إلى حد كبير، محتفظة بالتراث الإغريقي. فمكاتبها الكبيرة مملوءة بالكتب الإغريقية، مزدحمة بالقارئين والدارسين، وكان الأدب اليوناني محور الثقافة والتعليم، بجانبه دراسة الكتاب المقدس وقصص القديسين والشهداء والحساب والموسيقى والآجرومية والبلاغة. لقد كانت جامعة القسطنطينية مركز الثقافة اليونانية موئل الدراسات الكلاسيكية.
ومن هذه المدينة العظيمة تعلمت إيطاليا فلسفة أفلاطون، ومنها أخذ العرب القانون وجانبا كبيرا من الثقافة اليونانية، وإذا كان لهذه المدينة تراث يخلد ذكرها في العالم فهو الأدب الإغريقي والقانون الروماني، فأباطرة القسطنطينية هم الذين جمعوا القوانين الرومانية - إرث رومة العظيم - وقننوها ونشروها.
وتمتع سكان هذه المدينة العظيمة بامتيازات لا يشاركهم فيها أحد، فكانوا معفين من الضرائب، توزع عليهم الحكومة مجانا ما يلزمهم من الخبز والنبيذ والزيت، وذلك حين كانت ثروة الإمبراطورية عظيمة ورزقها متوفرا وجانبها مهابا .
والقسطنطينية مدينة صناعية وتجارية عظيمة بحكم موقعها الجغرافي المنقطع النظير في ذلك الوقت. فهي تقع في موضع ممتاز للاتصال بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، وبين البحر الأسود والبحر الأبيض؛ فهي من مراكز العالم المهمة في ذلك الوقت للتجارة، تأتي إليه المتاجر عن طريق البحر الأبيض والبحر الأحمر والبحر الأسود، من فارس والهند والشرق الأقصى وأواسط آسيا، من اسكنديناوه وشرقي أوروبا وغربيها، متاجر العالم المعروف في ذلك الوقت تجمعت في القسطنطينية وآوت إليها السفن من كل فج فكانت ميناؤها في القرن الذهبي تعج بحركة دائمة، وسهلت الحكومة البيزنطية كما سهلت الحكومة العثمانية من بعدها وسائل العيش والاتجار وتبادل المنافع، واشتهرت أسواقها بمواد الترف والزينة والمصوغات والأيقونات والعطور والمنسوجات الحريرية والكتانية الجميلة ذات الألوان الساطعة اللامعة، وإلى جانب التجار وجد الصيارفة يزاولون مهنتهم بنجاح كبير.
لقد تفوقت القسطنطينية - كما رأينا - على غيرها من المدن في مظاهر الحياة، وكان موقعها ومناعتها وغناها وثروتها ومبانيها ومباهجها ومركزها في العالم المسيحي من الأمور التي دعت الشرقيين من العرب والأتراك إلى محاولة الاستيلاء عليها وتحويلها من حاضرة للمسيحية إلى مركز مهم للإسلام.
قصة فتح القسطنطينية
Página desconocida