وصمت دقيقة حتى يهدأ انفعاله، ثم واصل حديثه: أمي حمقاء إذ رضيت أن تتزوج من هذا الرجل، ألم يكن الأفضل أن تعود إلى أبي؟
وكان حلمي يعرف الكثير عن سيرة ياسين المشهورة، فقال باسما: في العشق يا ما كنت أنوح!
فلوح رضوان بيده معاندا، وهو يقول: ولو! إن ذوق النساء سر مخيف والأدهى من ذلك أنها فيما يبدو راضية! - لا تسع وراء ما ينغص صفوك ..
فقال رضوان في نبرات حزينة: يا للعجب، إن جانبا عريضا من حياتي ينضح بالتعاسة، إني أمقت زوج أمي ولا أحب امرأة أبي، جو مشحون بالبغضاء إن أبي - كأمي - لم يحسن الاختيار، ولكن ماذا في وسعي أن أفعل؟! وامرأة أبي تحسن معاملتي ولكن لا أتصور أنها تحبني، هذه الحياة ما أرذلها!
وجاءت خادم عجوز بالشاي، فتحلب ريق رضوان الذي عانى في الطريق من رياح فبراير القاسية. وساد الصمت وهما يذيبان السكر، وتغير تعبير وجه رضوان فآذن ذلك بإنهاء السيرة المحزنة، ورحب حلمي بذلك فقال في ارتياح: تعودت المذاكرة معك، فلا أدري كيف أذاكر وحدي ..
فابتسم رضوان متجاوبا مع هذا الشعور الرقيق: ولكنه سأله فجأة: هل اطلعت على المرسوم الصادر بتأليف وفد المفاوضة؟ - نعم، ولكن كثيرين يلغطون متشائمين بالجو الذي يحيط بالمفاوضة، ويبدو أن إيطاليا - التي تهدد حدودنا - هي محور المفاوضة الحقيقي، والإنجليز من جانبهم يهددون في حال فشل الاتفاق! - إن دماء الشهداء لم تبرد بعد، وعندنا دماء جديدة!
فهز حلمي رأسه قائلا: هذا كلام يقال. لقد سكت القتال وبدأ الكلام، ما رأيك؟ - على أي حال فإن للوفد أغلبية ساحقة في هيئة المفاوضة، تصور أني سألت محمد حسن زوج أمي عن رأيه في الموقف، فقال لي ساخرا: «أتتوهم حقا أن الإنجليز يمكن أن يخرجوا من مصر؟!» هذا هو الرجل الذي ارتضته أمي زوجا!
فضحك حلمي عزت عاليا وسأله: وهل يختلف رأي أبيك عن ذلك؟ - إن أبي يكره الإنجليز، وحسبه ذلك. - أيكرههم من صميم قلبه؟ - إن أبي لا يكره ولا يحب شيئا من صميم قلبه! - إني أسألك عن رأيك أنت، فهل أنت مطمئن؟ - لم لا، حتى متى تبقى القضية معلقة؟ أربعة وخمسون عاما من الاحتلال، أف، لست أنا التعيس وحدي!
فتناول حلمي عزت آخر رشفة من قدحه وقال باسما: يبدو لي أنك كنت تحادثني بهذه الحماسة عندما وقعت عيناه عليك! - من؟
فابتسم حلمي ابتسامة غريبة، وقال: كلما تحمست تورد وجهك وبرز جمالك في أحسن أحواله، وفي لحظة من تلك اللحظات السعيدة رآك ولا شك وأنت تحادثني، كان ذلك يوم ذهب وفد الطلبة إلى بيت الأمة داعين إلى الاتحاد، لا تذكر ذلك اليوم؟
Página desconocida