Páginas seleccionadas de poesía dramática en los griegos
صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان
Géneros
ومهما يكن من شيء فقد كان أهل أيلوزيس في جميع العصور اليونانية إلى أواخر القرن الخامس ديانين متورعين، يكرهون الإثم وينفرون منه، ويحبون التقى ويرغبون فيه، وقد ظهر أثر هذه الديانة والورع في حياة أيسكولوس وعمله، فتراه في جميع آثاره الأدبية محبا للآلهة، معظما لهم، مؤثرا لطاعتهم، منكرا للخروج عليهم، وسنرى بعد حين أن قصصه التمثيلية تقوم على الدين قبل كل شيء، كما أن مكان أسرته من الأرستقراطية قد جعله أنفا أبيا في حياته الخاصة والعامة، وصانه أن ينزل بنفسه إلى حيث يعنى بما كان يجري حوله من الأعمال السياسية، فيطلب العمل في حكومة الجمهورية، وقد قدمنا في المقالة السابقة أن الأرستقراطية الأثينية كانت تمتاز بالاعتدال والهدوء وكانت قلما تلجأ إلى العنف والشدة في حربها للديمقراطية، فهذا هو الذي منع شاعرنا أن يعلن سخطه على حكومة الشعب وازدراءه لها، وحمله على أن يكتفي باجتناب الأعمال العامة، والانكباب على فنه يجوده ويرقيه، ويقرب ما بينه وبين الكمال.
هناك مؤثر ثالث عمل في تكوين النفس الشعرية لأيسكولوس، هو الشعر الغنائي الذي كان قد بلغ في هذا العصر أقصى ما كان يمكن أن يبلغه من رقي ورقة، وقدرة على التأثير في النفوس والأخذ بمجامع القلوب، والذي كان قد انتشر انتشارا لم يعهده اليونان من قبل في جميع طبقات الجمهور اليوناني.
كان هذا الشعر قد وصل إلى أقصى أمد من تمثيل عواطف النفس وإثارة كمينها، واستطاع أن يرسم حياة الشعور اليوناني وما فيها من دقيق وجليل ، فتغنى بالحب وما يبعث في النفس من رقة ولطف، ومن رحمة وإشفاق، وافتخر بمآثر اليونان وحسن بلائهم في حياتهم الماضية والحاضرة، ومدح فأحسن المدح، ورثى فأجاد الرثاء. ومجد الآلهة فبرأهم من أكثر ما كانت تضيف إليهم الأشعار القصصية من صفات وخصال لم تكن تلائم العصر الحديث، وأنزلهم من القلوب منزلة عزيزة مطهرة بعض التطهير من آثار الشهوات والأهواء المادية، ووصف الطبيعة فجلاها للحس جميلة خلابة تستهوي النفوس وتفتن القلوب. وأبرزها للعقل متقنة منظمة تسترعي الفكر وتدعو إلى التروية والتفكير، فأعد النفس اليونانية لشيئين أحدهما التأمل المتصل المتنوع الذي نشأت عنه الفلسفة. والآخر التقليد والمحاكاة اللذان نشأ عنهما التمثيل.
وكان شاعرنا قد روى من هذا الشعر حظا موفورا، وضرب فيه بسهم فبكى ووصف وغنى الجمال، ثم رأى تسبيس وتمثيله المتنقل فأعجبه هذا الفن الناشئ وراقه فما أسرع ما كلف به وأقبل عليه.
فما كاد يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره حتى تقدم إلى المسابقة في التمثيل وكأن هذا الفن إنما نشأ ليشغف به هذا الشاعر فيتناوله ويهبه من قوته ونبوغه ما يمنحه حياته ويعطيه شخصيته وحظه الصحيح من الوجود.
كانت بعد ذلك الحروب الميدية فاشترك أيسكولوس في وقعة مارثون من غير شك - يشهد بذلك ما أمر أيسكولوس أن يكتب على قبره - واشترك كذلك في وقعة سلامين وبلاتيه وغيرهما من المواقع التي كانت سنة ثمانين وأربعمائة فيما يروي المؤرخون.
ويقال إن أخاه كونايجايروس
Kunaïgueïros
قد أبلى في سلامين بلاء حسنا.
ومهما يكن من شيء فإن انتصار اليونان على الفرس قد ملأ نفوس هذا الشعب إعجابا وفخرا وإقداما وجرأة كما قدمنا في المقالة السابقة، ولا سيما نفوس الأثينيين الذين كانوا زعماء هذه الحرب وملاك هذا النصر؛ فأقدموا على كل شيء، وكانوا لا يحاولون أمرا إلا وظفروا منه بالغاية، وقد ظهر أثر هذا الإعجاب والإقدام في الشعراء الممثلين أنفسهم فمثلوا هذا النصر مرتين وحفظ التاريخ تمثيل أيسكولوس في قصة الفرس سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.
Página desconocida