Sudán
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Géneros
بعد استعادة السودان
(1) منشور الحاكم العام لخاصة السودان وعامتهم «الحمد لله المحيط علما بكل شيء. وبعد فإن سمو الأمير خديوي مصر «عباس باشا حلمي الثاني» - حرسه الله - قد اختارني لأن أكون سردارا لجيشه وحاكما عاما للأقطار السودانية بعد اتفاقه مع دولة بريطانيا العظمى على ذلك، فعهد إلي في رئاسة الجيش وإدارة شؤون السودان وساكنيه، فلبيت الدعوة الشريفة، وحمدت الله على حسن عنايته والأمير على حسن ظنه وجميل ثقته، وعاهدت الخالق الذي بيده نفسي ونفوسكم أن أراقبه فيكم، وأنصح في خدمة الأمير، ولا أترك بابا يأتيكم منه الخير إلا فتحته، ولا منفذا يأتيكم منه الشر إلا سددته، وأن أشيد بيدي أركان العدل بينكم، وأنشر لواء الإنصاف فوق رؤوسكم، وأسأل الله أن يلهمني الصواب في أعمالي، ويعصمني من الخطأ والزلل، ويرشدني إلى انتقاء الأمناء من العمال والحكام لتتم رغائبي في الإصلاح ورغائبكم في النجاح.
ولما كان من الفروض الأولية أن أبلغكم إرادتي، وأنشر بينكم رغبتي، عمدت إلى إذاعة هذا المنشور فجعلته باكورة أعمالي؛ لتعلموا منه الغرض الذي أرمي إليه، والطريق التي أريد أن تسلكوا فيها.
اعلموا أن أساس الملك هو العدل، ولهذا لم تقم للسودان قائمة؛ لأن ملكه تأسس على الجور والاعتساف، واغتصاب الحقوق، وظلم الرعية، وانحراف الحكام عن جادة العدل، واتباعهم طرق الغواية والضلال، وعدم مراقبة الله، وترك الرفق بالعمل.
فأراد الله أن يسبغ عليكم رحمته بعد ذلك العذاب ، فأزال أولئك الظلام، ومحا أثرهم، وقوض ملكهم؛ فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، وخلف بعدهم رجالا ملأ قلوبهم رفقا وعدلا وهم حكامكم الآن. فأخلصوا لهم الطاعة ليخلصوا لكم العمل، وتيقنوا أنكم كالجسد وهم كالرأس، فلا يصلح الجسد إلا بصلاح الرأس، ولا يصلح الرأس إلا بصلاح الجسد.
ولقد صرفت عنايتي إلى انتخاب الحكام الأكفاء، وأمرتهم بالرفق وتنفيذ الأوامر العادلة التي أصدرها لخيركم وخير بلادكم، فعليكم بطاعتهم؛ لأن طاعتهم هي طاعتي، ومن عصاهم فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى أولي الأمر، ومن فعل ذلك فقد أغضب الله.
وإني أشهد الله أن من رأيت به اعوجاجا من هؤلاء الحكام قومته بسيف العدل. كما أني أشهد الله أن من رأيته منكم مخالفا أو مخاصما من غير حق رميت به إلى أقصى درجات العقاب ليصلح الرأس والجسد معا.
وقد بدأت بتشييد مساجدكم وإقامة شعائر دينكم المقدسة، وتسهيل طريق الحج إلى بيت الله الحرام. بعد أن حال بينكم وبينه أولئك الطغاة العصاة الذين استأصل الله شأفتهم.
فإذا تم ذلك عمدت إلى التجارة، فأوسعت لكم ميدانها، وأجريت لكم سيول خيراتها، وأرضعتكم لبانة ربحها، وفعلت كل ما تسمح به حالة الحكومة من تعديل ضرائبها وضرائب الأطيان، وأجر النقل في السكك الحديدية والمراسلات البريدية والتلغرافية، هذا مع السعي في توسيع نطاق ثروتكم لترتعوا في بحبوحة الراحة والأمن، وتذوقوا حلاوة العدل، وتنسوا مرارة الظلم السابق.
فإياكم ومخالفتي ومخالفة حكامكم، واعلموا أني بقدر ما أكون شفوقا لينا مع ذي الاستقامة منكم، أكون صارما شديدا على من يخالف أوامري ويعمل على إبطالها.
Página desconocida