Sudán
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Géneros
وأرى أن في هذا القول إيضاحا وتبيانا لكل ما التبس علينا في هذا الأمر؛ ذلك أنه لا بد أن يكون قد ورد إلى غوردون باشا بعد احتلاله تلك المناطق أمر بالتحذير من عواقب ما أقدم على عمله فبادر إلى إخلاء المحطات التي كان قد احتلها.
أما فيما يتعلق بإدارتنا للسودان فأية سيئة لم يعزوها لها، وأي نقد لم يوجهوه إليها، وأي لسان لم يسلقوها به؟! إني أربأ بنفسي عن أن أقول إنها كانت قد بلغت ذروة الكمال؛ لكنها لم تكن بالتحقيق رديئة أيضا إلى الدرجة التي صورتها بها بعض الدوائر التي لها مصلحة في أن تظهرها بهذا المظهر.
ومما لا مراء فيه أنه لم تقع في أرض ممتلكاتنا أعمال قسوة - إن لم أقل أعمال وحشية - كالتي حدثت في أراض أفريقية الخاضعة لنفوذ بعض الدول الأوربية.
ولا ينبغي أن يغيب عن أنظارنا أيضا أن أغلبية الموظفين الذين كانوا يرسلون إلى السودان هم من المغضوب عليهم ومن الذين وقعت عليهم عقوبات يستوفونها هناك.
وإذا أضفنا إلى ذلك الشقات الشاسعة التي يتحتم قطعها، ووسائل النقل التي كانت في ذلك العهد والتي من شأنها أن تجعل من الصعوبة بمكان إيجاد مراقبة جدية على تلك الأرجاء القاصية البعيدة، كان لنا بحق أن ندهش لعدم حدوث مساوئ أكثر مما حدث. على أن هذه الحالة ما زالت تتحسن على مرور الأيام، فصارت تقل المفاسد تدريجيا حتى تلاشت في النهاية أو كادت.
ولكي أبرهن من جهة أخرى على أن إدارتنا لم تبلغ هذه المنزلة من الانحطاط، وأنها كانت بالأحرى أفيد للأقطار التي احتللناها فليس أمامي أكثر من أن أذكر شهادة شخصين لا يمكن أن يعزى إليهما التحيز أو المحاباة بأي وجه من الوجوه، وهما: الدكتور جونكر الروسي الذي أمضى سنين عديدة في أواسط أفريقية، والمحترم فلكن الذي أقام سنين طويلة في أوغندة، وإلى القارئ ما رواه لنا الأول والثاني:
قال الدكتور جونكر في مؤلفه «رحلة في أفريقية ج1 ص500» ما معربه:
ويرجع الفضل إلى المسلمين الذين تعزى إليهم المطاعن والمثالب في إلزام الزنوج بضرورة المعيشة في هدوء وسلام مع القبائل المجاورة لهم وبالإقامة على قدر الإمكان في دورهم وبزراعة حقولهم. وهذا العمل ينبغي أن نقدره حق قدره بدون أن نبخسه شيئا. ومما يشرف الحكومة المصرية وضع بلاد الزنوج تحت سيطرتها. وهذا الأمر مكنها من أن تفتح فيها بابا لانتشار المدنية في مستقبل الأيام، ومهما بلغ من ثقل النير الأجنبي فهو في الواقع ونفس الأمر أفضل للزنوج من حكم نفس المستبدين منهم، إذ إن حكم هؤلاء مصدر حروب لا نهاية لها يضيع في خلالها بعضهم البعض. ا.ه.
وقال المحترم فلكن في مؤلفه «أوغندة وسودان مصر ج1 ص324» ما معربه:
ويمكنني أن أقول - وأنا مطمئن الخاطر هادئ البال - عن تلك الأقطار الواقعة تحت الأحكام المصرية حيث يتولى السلطة أمين باشا - المدير الحالي لمديريات خط الاستواء - أن الأهالي يعيشون فيها في حال أرقى من التي كانوا يعيشون فيها تحت رعاية ملوكهم الهمج المستبدين. ا.ه.
Página desconocida