Sudán
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Géneros
وفي إبريل سنة 1883م خرج نيازي باشا وأركان حربه هكس باشا ومعهما 5600 جندي للإيقاع بمن بقي من العصاة مع أحمد الكاشف بالجزيرة، وكان عددهم قد تكاثف بعد عبد القادر باشا فلاقوهم في المرابيع وكسروهم شر كسرة، وقتلوا زعماءهم فانمحى بهذه الواقعة أثر الثورة من الجزيرة كما انمحى من عموم السودان، ولم يبق للمهدي شوكة خارج كردفان.
وقد ألح عبد القادر باشا ثانيا على الحكومة وهو في مصر عقب هذه الواقعة بترك المهدي وشأنه في كردفان إلى أن يظهر للناس كذبه أو تضيق به البلاد فيضمحل من نفسه، فقوبل إلحاحه بالإعراض أيضا، وأذن لهكس باشا بالزحف على المهدي في كردفان. فرد بأنه لا يتحمل مسئولية الحملة حتى تكون له القيادة العامة عليها، ولما تباطأت الحكومة المصرية في إجابته إلى طلبه هددها بالاستعفاء فأذعنت وجعلته القائد العام على الحملة ونقلت نيازي باشا محافظا على السودان الشرقي فخلا لهكس باشا الجو، وتوغل بهذا الجيش الكبير في صحاري كردفان حتى ضلوا الطريق ووقعوا في مخالب المهدي؛ فأفناهم ذبحا وقتلا في ساعات معدودة.
وبهذا الانتصار الكبير رجع للمهدي شأنه الأول فانتفضت أطراف السودان وعاد شعلة نار. وعلى أثر ذلك قررت الحكومة الإنكليزية إخلاءه، ولما لم تصادق وزارة شريف باشا على هذا الإخلاء حملتها على الاستعفاء، وجاءت وزارة نوبار باشا فصادقت عليه، وعين غوردون باشا لإخلائه وإخراج الجيوش المصرية منه، وكان فيه نحو الثلاثين ألفا، وحوصر غوردون باشا في الخرطوم إلى أن قتل وكان ما كان مما هو معروف ومشهور. فمن هو المسئول عن هذه النتائج السيئة؟ ومن ذا الذي أضاع السودان؟ أمصر التي أضاعته، أم السياسة الإنكليزية التي كانت مشرفة على مصر في هذا الحين؟ (3)
ثم ترك السودان، تفتك بأهله الفوضى والجهل والظلم والأوباء والحروب، فحصدتهم هذه الأوباء حصدا واصطلحت عليهم، وتركت البقية الباقية من أهله في جوع وعري.
وهذه العاقبة هي التي توقعها عبد القادر باشا حلمي لأهل كردفان لو بقي المهدي محصورا فيه. وعند ذلك جاءت أوامر إنكلترا بتجهيز حملة لاسترجاع السودان، وصدر القرار الوزاري بذلك في 13 مارس سنة 1896م. فاسترجع السودان بثلاث واقعات كبرى وبجيش يبلغ نيفا وعشرين ألفا تقريبا ولم يقتل منه إلا القليل. وكانت الخسارة في الواقعة الفاصلة - وهي واقعة أم درمان - من القتلى ثلاثة ضباط إنكليز واثنين من المصريين وأربعة وعشرين عسكريا إنكليزيا وسبعة وعشرين عسكريا مصريا، ولم تبلغ النفقات التي صرفت في هذا الفتح مليونا من الجنيهات، فهل كان ذلك يعجز مصر عن أن تقوم به وحدها؟
هذا هو مقال سمو الأمير. (5) كلمة لسموه عن مديرية خط الاستواء
نشرتها جريدة «الأهرام» في عدد يوم الاثنين 29 مايو سنة 1933:
مديرية خط الاستواء هي أهم مديريات السودان المصري وألزمها وأنفعها لمصر؛ لأن مخرج النيل من بحيرة ألبرت نيانزا المراد عمل السد فيه لجعل تلك البحيرة خزانا هو جزء من هذه المديرية التي ظلت في حكم مصر حتى آخر عهد أمين باشا الذي هو آخر مدير لتلك المديرية السودانية المصرية إلى نهاية الحكم المصري الفعلي للسودان.
وقد شمل الحكم المصري أيضا ثلثي شواطئ هذه البحيرة وأقام فيه المعاقل العسكرية التي بقيت حتى شاهدها ستانلي في سياحته المشهورة عندما توجه إلى هذه الجهة لتخليص أمين باشا ظاهرا، ولمحو الآثار الباقية لمصر بتلك المنطقة في الحقيقة. ثم توجه الكابتن لوجارد إلى هناك، واستخدم الجنود المصرية المتروكة فيها باسم الشركة البريطانية الأفريقية الشرقية، واستولى على أوغندة وعلى القسم الجنوبي من مديرية خط الاستواء، وبسطت الحكومة البريطانية حمايتها على هذه البلاد، ثم عقدت بعد ذلك مع مصر معاهدة سنة 1899م.
ولو احترمت هذه المعاهدة - كما لا تزال تدعي ذلك - لكان أول واجب عليها إرجاع هذه البلاد إلى السودان المصري وجعلها تحت إدارة حكومته، حيث إن هذه المعاهدة تشمل عموم الأراضي التي يتكون منها السودان المصري القديم، كما كان عليه قبل الثورة المهدية. ولكنها لم تفعل هذا الواجب ولم تراعه في تطبيق هذه المعاهدة لأنها كانت منذ زمن بعيد تطمح إلى امتلاك مديرية خط الاستواء المصرية الواقعة في أرجائها ينابيع النهر العظيم الذي يفيض على مصر الحياة.
Página desconocida