Sudán
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Géneros
حوالي سنة 1892 توجه المرحوم الشيخ محمد المنور - قاضي قضاة تونس - إلى أم درمان ومعه أسرته من جهة الغرب، وقابل الخليفة عبد الله التعايشي إذ كان في إبان سطوته، ونصحه بأن يعدل عن ادعاء أنه خليفة المهدي المنتظر، وفند الادعاء القائل بأن محمد أحمد المهدي هو ذلك المهدي المنتظر الذي جاء ذكره في الأحاديث النبوية قائلا بأن المهدي المنتظر لم يظهر بعد، وبأنه من المخالفة للدين انتحال المهدي صفة المهدية وانتحال خليفته أنه خليفة المهدي.
فغضب الخليفة التعايشي من هذه النصيحة الدينية التي حضر الشيخ المنور من تلقاء نفسه وطوعا لضميره ليزجيها إلى الخليفة التعايشي، وأمر باعتقاله وحبسه ومن معه. وقد حاول الشيخ المنور
2
التخلص من السجن، فعرض على الخليفة أن يصنع له ألغاما لنسف البواخر، وأجرى تجربة أمامه ونجحت. ثم أرسله الخليفة إلى سنار للقيام بتجربة أخرى، وكان مكبلا بالحديد في سفره بالمركب. فاستاء، وغضب من هذا التكبيل، وألقى على الباخرة لغما نسفها ومات معه الحراس المهديون عليه. (12) استعادة الواحات الخارجة
3
في سنة 1893 عندما كان السودان في نفوذ المهدي هاجمت فصيلة من الدراويش واحة الخارجة ونحن نورد لك فيما يلي ملخص ما ورد عن هذا الحادث في كتاب مذكرات عن واحات مصر والصحراء الغربية لصاحب السعادة اللواء أحمد شفيق باشا ص41 و42:
سارت فصيلة من الدراويش من دنقلة قاصدة واحة سليمة، فلما وصلت إليها وجدت آثار قافلة من البدو المصريين كانت قد ذهبت إلى بئر النطرون كالمعتاد لجلب الملح والنطرون. فقسم الدراويش أنفسهم إلى قسمين تبع أحدهما أثر الحملة ووجدها عند بئر النطرون، فأسرها وعاد إلى حيث ابتدأ - وسار القسم الثاني - وكان مكونا من 170 هجانا ببنادق رمنجتن - بدرب الأربعين، فوصلوا إلى ناحية «المقس»، وهي أقصى القرى جنوبا - وتتصل بقرية باريس، وأسروا أحد الأهالي، بينما كان يصطاد الغزلان، ومنه حصلوا على التفصيلات التي كانوا في احتياج إليها. وقد أخبرهم لسوء الحظ عن موظفي الحكومة، وقال: إن مقرهم في «باريس».
وفي أول أغسطس سنة 1893 ظهر الدراويش أمام «باريس»، وأرسلوا في طلب العمدة والمشايخ فأتوا في الحال، ولدى مثولهم بحضرة رئيسهم أمرهم بإحضار الموظفين وكانوا خمسة، فحضروا وألقي القبض عليهم وعلى العمدة والمشايخ «الدراويش»، وقد بقي الدراويش يومين بباريس جردوا أهلها في أثنائها من الأسلحة، واستولوا على 11 جوادا و4 حمير و5 رؤوس من الغنم أكلوها في أثناء إقامتهم، ولم يرتكبوا سوى ذلك عنفا. وغادروها مع أسراهم بعد أن اعترف لهم الأهالي بأنهم رعية المهدي، وتعهدوا ألا يأتوا من الأعمال ما يوجب التعنيف، وأنهم مستعدون لمعاونته في حربه الدينية المقدسة. وقد فعلوا كل هذا من تلقاء أنفسهم دون ضغط أو إجبار. وها هي صيغة البيعة التي أخذها الدراويش منهم إلى الخليفة التعايشي:
بايعنا الله ورسوله ومهدينا وبايعناك على توحيد الله ولا نشرك بالله، شيئا، ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ولا نعصيك في معروف. بايعناك على زهد الدنيا وتركها والرضاء بمراد الله ولا نفر من الجهاد.
ولما وصل الأسرى إلى أم درمان أحسن الخليفة معاملتهم واعتبرهم ضيوفه، ولم يجبروا على عمل ما سوى تأدية الصلوات الخمس في أوقاتها. وقد تمكن اثنان منهم من الهرب ووصلا إلى سواكن، ولكن المأذون مات في أسره.
Página desconocida