157

Sudán

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

Géneros

هذا في الخرطوم وحدها، وهناك منشآت أخرى في حلفا وبربر وأبي حمد والعطبرة وشندى وخورشمبات وود مدني وكسلا والقضارف وسواكن وبورسودان والأبيض والنهود وبارة والدلنج وتالودي والدويم والتوفيقية والسوباط والبيبور وبلاد دارفور وبحر الغزال ومنجلا.

وكان جنود أورطة السكة الحديدية، وهي أكبر أورط الجيش المصري، يسهرون على صيانة السكك الحديدية ويتعهدونها بالإصلاح كلما دمرتها السيول أو جرفتها الرياح أو غمرتها الرمال، متحملين في ذلك حرارة القيظ وزمهرير البرد وعصف الزوابع وقصف الرعود وويلات الهبوب.

الفصل الحادي عشر

الطرق الصوفية

انتشرت الطرق الصوفية في السودان انتشارا واسعا وأكثرها انتشارا الطريقة الميرغنية. وأنصارها يؤمنون بمشايخهم وخلفائهم، ويخلصون لهم، ويبذلون أموالهم وحياتهم في سبيلهم، ويجب أن يلاحظ أنه ليس في السودان زعامة سياسية وطنية بالمعنى المفهوم في مصر، وأن النفوذ الظاهر هو النفوذ الديني؛ ولذا قامت الثورة المهدية - كما رأينا - على أساس الدعوة الدينية.

وإنه وإن تكن قد انتشرت في السودان طرق كالطريقة الإدريسية والقادرية والشاذلية وسواها، إلا أن كل هذه الطرق وافدة على السودان وليس في السودان قاطبة طريقة أسست من عربي سوداني سوى الطريقة الإسماعيلية، أعني طريقة الشيخ إسماعيل بن عبد الله - الولي الكردفاني. وقد نشأت هذه الطريقة في عهد الحكم المصري الأول بالأبيض، وكان صاحبها متطرفا بالطريقة الختمية في أول أمره، ثم أسس طريقته بإذن صحيح بحضرة شيخه الشيخ محمد عثمان المرغي شيخ الطريقة الختمية، وقد انتشرت هذه الطريقة بسرعة البرق في جميع أنحاء السودان، وخاصة في كردفان وأم درمان ودنقلا، وهي الطريقة الوحيدة التي كانت قائمة أيام المهدية لاحترام المهدي لها، وهي أمتن طريقة من حيث مؤلفات مؤسسها الذي جمع بين علمي الشريعة والحقيقة في عصر كان يعد مظلما: فقد نيفت مؤلفات الشيخ إسماعيل على الخمسين كتابا في علمي الشريعة والحقيقة، ولم يطبع منها إلا القليل جدا، بل ما يعد غير مذكور بالنسبة لمؤلفاته. ومؤلفاته تمتاز بأنها محكمة فنية بليغة الأسلوب على خلاف ما يشاهد في أشعار المتصوفين بالسودان. ومن أشهرها كتاب مشارق الأنوار الذي لم يطبع إلى اليوم، فحرم الناس من علمه الغزير، وهو يتكلم عن السموات السبع والأرضين السبع، ثم إن أسرة صاحب هذه الطريقة أشهر الأسر في السودان علما وصلاحا ولم يصبها من عسف المهدية وظلمها إلا الاحترام، وتجد حظوة السيد المكي الشيخ إسماعيل الولي عند الخليفة والمهدي مذكورة في تاريخ السودان. وقد عد علماء هذه الأسرة وصلحاؤها فزادوا على الستين، ومن أشهر علمائها السيد أحمد الشيخ إسماعيل الولي، وهو أزهري وأول من درس بالأزهر من السودانيين. وقد وفد على السودان، وكان له أثر ظاهر في العلم الذي انتشر بعد على يد تلامذته. وقد أنكر على المهدي دعوته وحاربه مع جيوش الحكومة المصرية حتى قتل شهيدا مع ابنه، ومنهم السيد الباقر ابن الشيخ إسماعيل المدرس بجامع الخرطوم في صدر هذه الحكومة إلى أن توفاه الله عام 1918، ومنهم السيد إسماعيل بن السيد أحمد المذكور مفتي السودان سابقا «بهذه الحكومة» ومنهم الشيخ إسماعيل عبد القادر ابن بنت الشيخ إسماعيل الولي وهو أزهري، ومنهم السيد محمد السيد الباقر المدرس بجامع أم درمان اليوم، ومن هيئة كبار علمائه المبرزين وأقدرهم، وكثير غير هؤلاء، حتى إنهم عرفوا بالسادة، فهناك لا يطلق هذا الاسم على أسرة بأكملها صغيرهم وكبيرهم سواهم.

وهنا أذكر أن الشيخ عبد الله أبا المعالي تلميذ الأمير، وهو أزهري جليل جاء إلى السودان، واجتمع برؤساء أهل الطرق فيه، فأنكر عليهم كلهم حتى وصل إلى الشيخ إسماعيل المذكور، ففتح له على يده في خلال أسبوع أو أقل، ولذلك امتدحه بجميع أبحر الشعر حتى قال في بعض قصائده الكثيرة:

وإذا سطوت فلا معارض ينتمي

وإذا رحمت فأنت إسماعيل

أبديت ما لم يبده من قد مضى

Página desconocida