Sudán Egipcio
السودان المصري ومطامع السياسة البريطانية
Géneros
وأما الذخيرة فلا يصرف للجيش سوى النزر اليسير، والباقي هو محفوظ في مصر والخرطوم تحت حراسة البريطانيين، وقد أنشأوا بالخرطوم منذ سنوات عديدة مدرسة سموها كلية غوردون لتخريج قضاة ومهندسين ومعلمين ومدرسة حربية لتخريج الضباط، وقد افتتحوا حديثا مدرسة طب، وهذه المدارس مثل كل منشآت البريطانيين في الشرق تكتفي بالقشور دون اللباب، فالسوداني مثل أخيه المصري لا ينقصه الذكاء الفطري فهو قابل للعلوم، وإنما طرق تعليمه عقيمة وناقصة، فالبريطانيون لا يقصدون تعليمه بل يقصدون إزاحة المصري من السودان وإحلال البريطاني محله. خذ مثلا مدرسة وكلاء المآمير التي أنشأوها بالخرطوم فهي تخرج وكلاء مآمير سودانيين تحل محل المأمورين المصريين شيئا فشيئا ، وهكذا قل عن المدرسة الحربية وعن المهندسين والقضاة والأطباء فهم يعينون السوداني بوظيفة المصري بماهية 6 أو 8 جنيهات شهريا بدل الثلاثين والخمسين التي كان يستولي عليها المأمور أو المهندس أو الطبيب المصري، والوفر الذي يتجمد يخصص لإنشاء وظائف جديدة للبريطانيين.
عثر المسيو أوريان في محفوظات الوزارة البريطانية على تلغراف من لورد كلارندون ناظر خارجية إنجلترا إلى اللورد «كاولي» سفير بريطانيا في باريس بتاريخ 18 يوليو سنة 1858 معترضا على فتح قناة السويس، وقد نشر في مجلة مركور دي فرانس، وهذا نصه:
إذا ما تم فتح هذه القناة فإنها تفصل مصر عن تركيا، ويمكن حينئذ أن تعلن استقلالها متى أرادت. فالإسكندرية وسائر السواحل البحرية هي الآن بحالة حصينة وقوية للدفاع ضد كل اعتداء من جانب بريطانيا أو تركيا، وإذا لم تكف الحامية المصرية فهناك قوة إفرنسية يمكن إنزالها للميدان لأجل النجدة، وإن هذه القناة التي ستكون بعرض 300 قدم وعمق 80 قدما إذا أقيمت خطوط الدفاع على جوانبها وقامت السفن الحربية على الحراسة في وسط مياهها فستكون سدا منيعا ضد كل جيش عثماني يهجم عليها من ناحية سوريا.
ولقد تمت نبوءة اللورد التي تنبأها سنة 1858 بما وقع سنة 1915 حينما هاجمت الجنود التركية القناة، ولكن ذلك كان لمصلحة إنكلترا التي وضعت نصب عينها احتلال مصر فحالت دون استقلالها لتبتلعها، وهذا ما تفعله الآن في السودان، وتجد منا من يتساهل معها وينسى أن الأمة باقية خالدة، ويكفي أن تعشق حقوقها حتى تنال هذه الحقوق إما عاجلا وإما آجلا.
وإذا كان الجيش هو الذي ألف الدولة المصرية وألف وحدة السودان ومصر ومدن السودان وصانه وعمره فإن اسم الجيش لاسم مقدس في مصر وعند المصريين وهو الفلاح الذي صرف أكثر من مئة عام وهو يريق ماله ودمه في أرجاء السودان؛ ليبقي السودان لمصر ويبقي مصر للسودان، ويبقي الاثنين واحدا لا يقبل تفرقة ولا تجزئة، ويظل هو سياج هذه الدولة، ويظل اسمه وعمله فخرها إلى الأبد.
هوامش
في بحر الغزال
زيارات اللورد اللنبي للسودان
في كل عام يزور معتمد إنكلترا السودان ، وكانت زيارة اللورد اللنبي السودان في عام 1924 غير زيارته له في العام السابق، ولكنها لا تقل عنها أهمية، ولا يسع المصري إلا أن يرقبها ويتدبر نتائجها؛ ففي العام الماضي كان الغرض من تلك الزيارة جمع الذين أطلقوا عليهم اسم «أعيان السودان وأشرافه وأرباب العشائر والقبائل» ليلقوا على مسامعهم بفم بعضهم ما يريدون هم أن يكون رأي السودانيين بأنفسهم وبشقيقتهم مصر، وفي هذا العام كان الغرض التوغل في أعالي السودان حتى الحدود التي ضربوها له على ما يهوون ويريدون كالحدود التي ضربوها لمصر مع السودان. فحال السودان مع منابع النيل الآن كحال مصر مع النيل ذاته. فإذا نحن أوجسنا خيفة من كل يد تسيطر على النيل في السودان فإنه يحق للسودانيين أيضا أن يوجسوا خيفة من كل يد تسيطر على منابع النيل، فنحن والسودانيون في ذلك سواء، ونحن وهم تحت سيطرة القابضين على منابع النيل؛ لأن هذه المنابع التي كانت لنا ولهم معا صارت اليوم لا لنا ولا لهم؛ بل للإنكليز يتصرفون بها على هواهم. إن الإنكليز يسيرون هنا وفي الهند على وتيرة واحدة فهناك يقبضون على عنق البلاد بالبوليس والري، وهنا أيضا يقبضون على عنق مصر والسودان بالبوليس والري. •••
كل مصري يعرف أن النيل يؤلف من نهرين؛ النيل الأبيض والنيل الأزرق، فالنيل الأبيض: يجري من بحيرة فيكتوريا نيانزا عند خط الاستواء، ثم يجري على مسافة 290 ميلا فيصب في بحيرة ألبرت نيانزا الواقعة شمالي الأولى، وكلتا البحيرتين كانت في قبضة مصر على عهد إسماعيل باشا، وأطلق عليهما اسمان إنكليزيان؛ لأن إسماعيل باشا استعمل على تلك المنطقة صموئيل باكر الإنكليزي، فأوحت إليه حكومتة بهذه التسمية؛ لأنها كانت ترمي بنظرها إلى تلك البلاد وإلى مصر معا، فأرادت أن يسجل بالتاريخ، وأن تعرف الأمة الإنكليزية أن البحيرتين إنكليزيتان. •••
Página desconocida