فقلت له: كنا نكتب مقالات عن الشعراء والكتاب وغيرهم، فتضاحك وقال: والإملاء يا عزيزي؟! لا تعتذر.
فوجعت وأطرقت، أما هو فقال: لا تيأسن، تتعلم في الحياة إن شاء الله، نصيحتي لك أن تعلم في إحدى المدارس ما تعلمته فيها فبضاعتك تنفق هناك.
وأخيرا وجدت عملا في مدرسة ما، ولكنني وقعت في شباك التلاميذ لأني غير متمكن من الأصول واللغة، فشكرت لي المدرسة جهودي بعد شهر ...
وأخيرا توسط لي نائب كنا معه في الانتخابات، فعينت معلما في مدرسة رسمية، فنفقت شهاداتي حيث لا يسأل أحد عما يعلم ولا عما يعلم ... ولكن ما النتيجة؟! إذا اكتسيت جعت وإذا شبعت عريت!
وقعدت ذات ليلة أحاسب نفسي فوجدت أن عاملا في كاراج وخادما في مطعم أيسر مني حالا، فقلت لوالدي : لو أعطيتني ما أنفقته على تعليمي ما لا ينفعني لكنت صرت غنيا مثل فلان الذي لا يعرف الخمس من الطمس.
فامتعض الوالد وكأنه اشتم رائحة نكران الجميل، ثم قال: ما الحق علي ولا على العلم، كل الحق على من علموك ما لا ينفعك في الحياة حتى كنت كذلك الشيء، لا مع اللحم ولا مع العظم ...
المستقبل لا يرتجل
سموها وزارة المعارف يوم مولدها، ثم طاب لهم أن يسموها وزارة التربية الوطنية والشباب، ولكن كلمة «الشباب» ماتت مع فجر حياتها فصارت وزارة تربية وطنية بلا شباب، واليوم يقولون إنها ستصير وزارة «الجامعة اللبنانية» ... قالوا: إذا غضب الله على قوم جعل صيفهم شتاء، ونحن نقول: جعل وزارتهم مدرسة ...
ما أعظم حيرتنا في هذا البلد! وما أتعس حظ التربية عندنا! ما زلنا نبدل المناهج كأننا ننقل حجارة دومينو ولا نضع منهاجا. وضع المنهاج أول مرة فضم تاريخ أدبنا العربي كله، وظل كذلك أعواما، ثم اجتمعنا لتشذيبه فأبقينا على تسعة وعشرين أديبا وشاعرا، فتنفس الطلاب والأساتذة الصعداء، وخف من لا يفكرون إلا بجيوبهم فجمعوا النصوص، فما كان في «الروائع» نقل عنه وما لم يكن فتش عنه، فصار لنا كتاب يتدارسه المعلمون وطلابهم.
وقالوا بعد حين: هذا منهاج ضخم يجب أن نقل من شحمه لأن السمنة بشير الشيخوخة، فقعدوا يطبخونه في الخفاء، وأخيرا طبعوه وقالوا: هذا هو المنهاج الجديد. ونظرنا فيه فإذا التسعة والعشرون عادوا كما كانوا أولا - أي مائة وأكثر - واليوم يقولون: إنهم يعملون على تنظيمه وتعديله، ولكن ظني - وظني لا يخيب - أنهم لا يتعدون الخطة التي عرفنا، وإلا كسدت الكراريس المعلومة ...
Página desconocida